ما الذي سيطرحه الاحتلال الاميركي على الايرانيين في لقاءاته معهم حول العراق؟
هل تريد واشنطن من طهران ان تساعدها على الخروج من ازمتها في العراق؟
وهل بنت ومدت ايران نفوذها في بلاد الرافدين استعدادا لهذه اللحظة التي تؤهلها لمقايضة الاميركيين : نساعدكم على الخروج من المستنقع العراقي ، ونضمن قانون النفط . مقابل حصتنا هناك ، والسكوت عن الملف النووي؟ واذا ما كان الحال كذلك ، فهل سيعني الامر انسحاب جيش الاحتلال ، بعد كل ما انفقته الادارة الاميركية عليه ، ام ان هناك حلا اخر قد يتمثل في الانسحاب الى القواعد مما يؤمن اكثر من هدف في ان؟
صحيح ان المسؤولين الاميركيين قد حرصوا دائما على التصريح بان هذه القواعد هي مؤقتة لكن ذلك ليس الا من باب الكذب والتمويه الذي يتنافى تماما مع تقرير مراسل الواشنطن بوست ، توماس ريك ، اثر زيارته في العام الماضي لقاعدة بلد اير الواقعة على بعد 86 كلم شمالي بغداد. في هذا التقرير الدي نشر بتاريخ 4 - 2 - 2006 - يصف ريك القاعدة الاميركية قائلا انها مقر وحدة خاصة مهمتها العمليات الدقيقة ، تتسع لعشرين الف عسكري ، مكيفة ، محاطة باسوار عالية ، سرية ، ومزدودة باتصالات هاتفية وتلفزيونية وانترنت وفق احدث المواصفات ، تتضمن اربعة مطاعم بينها تلك التي بات اسمها مرادفا لانتشار نمط الحياة الاميركية في العالم : سابوي ، بوبيز ، بيرغر كينغ ، ومقهى ستاربوك ، كدلك مستشفى ومدرج كبير يتسع 250ل طائرة ، ... باختصار - يقول المراسل - جزيرة اميركية محصنة وسط ارض معادية.
وصف ريك هذا ، لا يترك مجالا للشك بانها ليست قاعدة مؤقتة حتى ولو كان المسؤولون الاميركيون يصرون على ايهام الناس بذلك فقبل نشر التقرير باسبوعين كان كيميت ، نائب القائد العام للاحتلال لشؤون التخطيط والستراتيجية ، يصرح:"لقد سلمنا الامن في مساحة كبيرة من الاراضي العراقية للعراقيين ، والامر لا يتعلق بمخطط مؤقت بل انها سياستنا التي تقوم على عدم الابقاء على اية قاعدة دائمة في العراق" فيما يلتقي مع ما قاله دونالد رامسفيلد عندما كان وزيرا للدفاع ، نحن لا ننوي اقامة قواعد دائمة في العراق ، حتى اننا لم نتحدث في هذا مع الحكومة العراقية"وبعدهما جاء طوني سنو ليؤكد على ان : وجود القوات الاميركية في العراق ، لخدمة امنه الداخلي وليس لمهاجمة اية دولة اخرى.
ولكن ما قيمة التصريحات ، بعد ان اصبح الكذب ميزة السياسة الاميركية ، فهل من كذب لا يهون بعد اكذوبة اسلحة الدمار الشامل؟ وهل يمكن ان ينفق البنتاغون عشرات القواعد الملايين من الدولارات لاقامة قواعد عسكرية مؤقتة ، يتركها من ثم للعراقيين؟
تصريح سنو الاخير يبدو وكأنه تطمين لايران ، في جو التوتر البادي بين الدولتين ، والكلام الكثير عن استعمال العراق كقاعدة لضرب بلاد فارس . لكن ثمة رسالة اخرى اكثر بعدا وعمقا هي تلك التي يوجهها المسؤول الاميركي الى روسيا بعد ان اصبح قلق بوتين من التهديد الاميركي معلنا ، بل بعد ان تجاوز مرحلة الظن والكلام الى مرحلة المواجهة . هذه المواجهة التي جعلت الاميركيين يتذكرون ان الرئيس الروسي غير ديمقراطي. واذا كان ثمة قائل بان هذا الكلام بدون سند لانه لا يعقل ان يتصور احد بان واشنطن ستهاجم موسكو ، فان الصراع الحقيقي لا يدور على مهاجمة هذه الدولة او تلك وانما مستقبل الامبراطورية ، الذي تهدده عودة روسيا الى الوقوف على قدميها ، ووعي قيادتها بما يمكن ان يعنيه وقوف الجيش الاميركي على ابوابها من هذه الجهة وتلك . عبر الرقعة التي يحددها ميشال كولون بـ "امبراطورية استعمارية لا تقتصر على العراق ، وانما تشمل كامل سوريا الطبيعية وايران واراضي الجمهوريات السوفييتية السابقة . وتتكرس اسيويا عبر انبوب النفط الذي يمتد من باكو (اذربيجان) الى سيحان ( تركيا) - مرورا بتبلسي (جورجيا).
صراع اذا اضفناه الى التهديد الصيني ، وجدنا ان مصلحة الولايات المتحدة قد تكمن في المحيط العراقي الايراني في نقطتين : الاولى هي تجنب هزيمة امام المقاومة العراقية ، بل وتجنب استمرار حرب استنزاف طويلة مع هذه المقاومة . والثانية هي تحييد ايران ، ان لم يكن التوصل الى حل وسط يحولها الى حليف.
نقطتان تلتقيان في النهاية ، لان تحييد طهران او التوصل الى تحالف معها لا يمكن ان يتم الا بثمن مزدوج : ملفها النووي ، وحصتها في العراق . مما قد يجعل من القواعد الاميركية مكانا لتجميع قوات الاحتلال فيما اذا تقرر سحبها تدريجيا من مواقعها الحالية ، اذا ما تم التوصل الى اتفاق ما يضمن المصلحتين الاميركية والايرانية. علما بانه لن يغير في الامر شيئا وصول الديمقراطيين الى الحكم ، بل ان هذا التحول قد يفعّل هذا الاسلوب في الحل . لكن ما قد يقلب هذه المعادلات بالكامل هو قدرة المقاومة العراقية على الصمود ، وهي قدرة لا تتأمن الا بوحدتها ووعيها للمخططات التي تستهدف بلادها ، ولكم فيما حدث في فلسطين درس يا اولي الالباب.

مصادر
الدستور (الأردن)