«لا أحد منا بريء. جميعنا تاجر بالعراق... ألا يكفي ذلك؟»، يتساءل عبدالواحد، وهو شاب عراقي يعيش في ضواحي دمشق ويعمل في بيع الذهب منذ 3 سنوات، لكنه حتى الآن مــا زال يرفض بيع المجوهرات التي تــأخذ شكل خرائط العراق.

لم يجد العراقيون اللاجئون في سورية تعزية في «مصيبتهم» سوى التزيّن بمجوهرات تتخذ شكل خريطة بلادهم، يشعرون بالفخر لثوانٍ معدودة وهم يتلمسون تلك الحلي التي تميّز عقائدهم وأعراقهم، معبّرين عن انتماءاتهم المختلفة: «نعم، أنا سني، أنا شيعي، أنا كردي، أنا مسيحي... ألخ»، ليتذكروا بعدها أن بلادهم قُتلت مرتين. مرة عندما أحتلها الجيش الأميركي، ومرة أخرى عندما تقاسموها... حتى بالذهب.

في منطقة جرمانا، المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالعراقيين في سورية، تجد الكثير من هذه الخرائط التي تحمل إما صورة للسيدة مريم العذراء أو صليباً أو صورة للإمام علي أو رمزاً للآشوريين أو الدرفش (رمز الصابئة المندائية). وطبعاً هناك خريطة العراق وعليها العلم أو النخلة. لكن وبحسب تأكيد عبد الواحد، فإن هذه الخرائط بالذات «لا تُطلب إلا إذا كان المشتري هو من العراقيين السنة».

لكن رفض عبد الواحد بيع هذا النوع من المجوهرات غير مفهوم بالنسبة الى عائلته وأصدقائه ورب عمله. وهو يرفض شرح أسبابه، ويُستفز من مجرد طرح السؤال. هو شديد التأثر بالموضوع، وكأنه ترك العراق بالأمس. ينهي الحديث بجملة واحدة: «الحرب الأهلية تجعلنا أشخاصاً بلا ملامح».

حسين لم يتجاوز عقده الثاني ولم يكمل سنته الأولى في دمشق، وهو يمثل قلة من الشباب. إنه شخص متوازن تجاه هويته، ويتفاخر بخريطة العراق المتدلية على صدره، لكنها هذه المرة هي خريطة من دون أي رموز واضحة. يتكلم كرجل حكيم: «أنا عراقي عربي فقط لا غير، وأرفض أن أقتني أي شيء يدل على ديني أو طائفتي».

هذه الخريطة الذهبية التي لا يتجاوز حجمها الأصابع الثلاثة، تمثل «مفتاح الفرج» بالنسبة الى كثير من الفتيات العراقيات، منهن مسيحيات ومنهن من الصابئة المندائية. إذ يــعتقدن بأن «لا أحد مسلم من سورية سيتمكن من الارتباط (الزواج) بأي واحدة منهن، وإن أحبها».

مجدولين، فتاة لم تكمل الثلاثين من عمرها بعد وما زالت تبحث عن شريك حياتها. تصر على ارتداء خريطة العراق وعليها صورة لمريم العذراء، «لأعرّف عن هويتي، فأنا عراقية مسيحية». فهي تعلم أن أي شاب سيخطبها سيعرف انها مسيحية بالدرجة الأولى، ومن ثم إنها عراقية، «لأولئك الذين لا يتزوجون سوى فتيات سوريات»، توضح مجدولين.

ثمة الكثير من اللاجئين العراقيين في سورية ممن يطلبون من الصاغة «تفصيل» خريطة للعراق بضعف الحجم المعتاد، كما هي حال أمل، وهي ربة منزل لا تفضل الحديث في الأمور السياسية. وعلى رغم ذلك، طلبت «تفصيل» خريطة وعليها صورة الإمام علي. تدافع عن فكرتها قائلة: «أنا لن أتخلى عن هويتي خوفاً من أن اتهم بأنني طائفية... إن كانوا يريدون محاربتي لأنني شيعية، فليفعلوا».

لكن رواد ينظر الى الأمر من وجهة تجارية بحتة، فهو يعمل مع والده في مهنة الصاغة. ويوضح ان حجم الخريطة يكون عادة 4 سم وهي من عيار 21 فيما يتراوح سعرها بين 2000 و5000 ليرة سورية (40 – 100 دولار).

ويعتبر رواد ان الموضوع أشبه «بالموضة». ولدى سؤاله عن خرائط ذهبية لفلسطين... يبتسم بسخرية قائلاً: «فلسطين أصبحت منسية... فما بالك بالذهب». ويسأل: لماذا لم يفكر أحد إلى الآن بـ «تفصيل» حلي على شكل خريطة الوطن العربي؟».

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)