لم يأت قرار الكونغرس الأخير بدعم لبنان ضد "التدخل" السوري من عبث، فهو وإن أوحى عن ضغوط معينة لكنه في نفس الوقت يعكس رغبة في اتخاذ قرار بشأن لبنان، وحتى ما يتبع هذه المسألة حيال سورية وإيران وحتى العراق.

هذا القرار سبقته العديد من التداعيات السياسية، سواء في الأزمة التركية – الأمريكية، أو حتى زيارة كوندليزا رايس إلى المنطقة من أجل التحضير لمؤتمر السلام، فالكلام الواضح حول ما يحدث في الشرق الأوسط مازال غائبا، وعندما يحاول الرئيس الأمريكي تركيز الضوء باتجاه إيران فلآنها الأكثر حضورا في ذاكرة السياسيين الأمريكيين، ومن جهة أخرى فهي مسألة لا تبدو خلافية من حيث المضمون وليس من حيث الإجراء، فالشرق الأوسط اليوم لا يمكن تلخيصه فقط بأزمة "المفاعل النووي" الإيراني، لأن القرارات الأمريكية الاستراتيجية بخصوص كافة الأزمات تبدو غائبة.

عمليا فإن "الانتظار" الذي يُمارس اليوم يوحي بأن الخيارات الصعبة مؤجلة، ولكنها أيضا رهينة للظروف، وربما لصراعات الأجنحة داخل الإدارة الأمريكية وعلى الأخص ما بين روبرت غيتس وغوندليزا رايس، فعدم الاتفاق حول مستقبل الشرق الأوسط، أو على الأقل على سياسة أمريكية فيه، يؤدي لفشل واضح في الإجراءات التي تتم اليوم أو يُحضر لها. وهو ما حذرت منه "الوثيقة" التي حذرت من أن فشل المؤتمر القادم الذي سيعقد في أنانوبوليس يمكن أن يدمر كل "النتائج" التي تمت طوال العقود الماضية.

المؤشرات الأكثر خطورة ظهرت في نتائج الزيارات السياسية التي قام بها بعض السياسيين اللبنانيين إلى واشنطن، حيث بدا واضحا أن القرار الأخير بشأن الاستحقاق الرئاسي لم يتضح بعد، أو ان إدارة الأزمة بهذا الخصوص لم تنجل، فالحلول في ظل تكريس الانقسام باتت صعبة، وتقطيع الخيوط السياسية أوصل الاستحقاق الرئاسي إلى ذروة الأزمة. هذا الأمر هو الذي دفع وزير الخارجية الفرنسي كوشنير إلى طلب لقاء المعلم، فاللقاء بذاته لن يحمل نتائج، لأنه في النهاية محاولة للبحث في "الدور" الفرنسي بعض أن أصبحت الأوراق اللبنانية مبعثر بشكل واضح.

التطورات "الدراماتيكية" المستقبلية ربما تدفعنا لافتراض الأسوء، فالإدارة الأمريكية لن تستطيع التحرك دون تفجير الأزمة في لبنان، وفي المقابل لن تكون قادرة على ضرب إيران والمخاطرة بتهديد الإمدادات النفطية عبر الخليج دون ضمان خطوط جديدة تمر بالعراق وسورية، وربما "إسرائيل" أيضا. وهي من جانب آخر لن تستطيع حصد نتائج أي عمل عسكري إذا لم تضمن دول البلطيق التي اتفقت مؤخرا على عدم السماح باستخدام أراضيها لضرب "دولة جارة"، يُضاف إلى ذلك مسألة الدرع الصاروخي وما خلفته من تناقضات في المواقف ستنعكس لاحقا باتجاه أوروبا.

هذه الصورة القاتمة تجعل العمل العسكري "مغامرة" لكنه الحل الوحيد الممكن في ظل انتهاء القنوات السياسية، وربما يعطي مؤشر ارتفاع أسعار النفط على وصول الأزمة لمرحلة "اللاعودة"، لكن الحرب تحتاج على الأقل لإدارة أمريكية متماسكة أكثر من الإدارة الحالية التي تنظر للتطورات العالمية بعين خاصة قبيل الانتخابات الرئاسية، وفي نفس الوقت فإن الكونغرس يدفعها بشكل سريع لاتخاذ قرارات لها أهداف سياسية داخلية بالدرجة الأولى. فهل ستدفع هذه التطورات لارتكاب أخطاب، أو بمعنى آخر "الدخول إلى الحرب".. هذا السؤال يبقى عالقا اليوم ويخلف قلقا في الشرق الأوسط عموما طالما بقيت دول المنطقة تراهن على التطورات فقط.