تبدأ القصة بأغنية... وتنتهي بأكبر الهموم... لكن هذا الخط الافتراضي يدفعنا للتفكير مجددا بمدى الارتباط بين "الأغنية" والتعبير السياسي، فعندما غنت فيروز "مين ما كان بيتآمر علينا بدنا نعرف شو سوينا " كانت الصور التي نتابعها ربما أكثر قسوة، لكنها على الأقل تجمعنا على مساحة واحدة، أو كنا نلامس أبسط وأعقد أزماتنا في آن.

"مين ما كان بيتآمر علينا" هي أغنية منسية ستعيدها فيروز من جديد في دمشق، لتحملنا على مراجعة ما نفكر به ونحلم به، في زمن لم نعد نستطيع تتبع حقيقة ما يحدث عند السياسيين والمثقفين.... لكننا في نفس الوقت نتحلى بصبر آخر لأن صفاء الأغنية من رقة وعذوبة الأنثى، وتصميم الرجال أو نظراتهم الجارحة، فالصوت يرسمنا من جديد داخل مكان نعيد فيه خيالنا بعد أن تشوه بقذائف الكلمات والتصريحات والموسيقى التي غابت عنها "الهوية".

ربما كان الرحابنة وفيروز "نموذجا" لزمن ولى، لكن النموذج البديل لم يظهر بعد، بل توقفنا عند "استهلاك" الألحان والأخبار، بينما نحاول أن نبحث داخل الأصوات عمن يتحدث على دواخلنا فيلهبنا باتجاه القدس أحيانا أو نحو "جسر اللوزية" وخفقات "العشاق" وروعة الصور التي يرسمها طيف المشاعر.

من السياسة إلى العشق كانت فيروز تضعنا امام طيف متواصل لا يحمل انفصالا بين الوطن والإنسان والعشق، ثم يلغي الفواصل التي ينتهي عندها الفن لتبدأ السياسة بالتحرك، فهو مسافة نقطعها تؤكد لنا أن التنظيرات حول الفن ستغيب لحظة إشراق أغنية من على مسرح، أو مع صبيحة يوم جديد.

لست متعصبة لفيروز الأنثى، فهي غنت لي ولكل رجال الأرض، تاركة أنغاما تؤجج فيّ العشق، وتدفعني لمعانقة الجميع دون وجل أو خوف من "حمى" التراث.. أو من تعصب أعمى يقتل إحساسنا تجاه الحياة.

أنتظر فيروز لأنها تشبكني مع الجميع... وانتظرها في فرح يصافح السماء... ويلتقي مع خصب الأرض. فهو صوت ينبش في داخلنا كل مستحيل أو يخرج ما هو غير متوقع إلى أرض جديدة نستريح عليها لدقائق، ثم نعيد الكرة منتظرين صوتها من جديد.