أحيانا تكون العودة للماضي نوعا من جلد النفس، على الأخص أننا اعتدنا الحديث عن "العجز" أكثر من قراءة نوعية التعامل مع "الأخطاء" أو السياسات التي لم تصل لهدفها، وبهذه الصورة فإن "صدام حسين" أصبح رمزا مقترنا بالموقف الصارم ضد الاحتلال في العراق، بينما أصبح نعته بالديكتاتور مترافقا مع الحديث عن الدور "الإنقاذي" الذي قامت به إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش.

في كلا الحالتين تظهر القراءة الغائبة لنوعية السياسات أو المواقف التي تم انتهاتجها، وفي نفس السياق فإن أي عودة إلى عقد السبعينيات تظهر أننا نقف عند حدود نوعية السياسات التي انتهجتها غدارة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، فكانت "حرب الظلال" التي اندلعت من بيروت إلى أفغانستان صورة حية لإعادة "تخليق" صورة الصراع الذي ظهر في لبنان "مذهبيا" ومنظمة التحرير جزء منه!! وسرعان ما انتقل إلى أفغانستان التي بدأت تستقطب حركة تجنيد باتجاه الشرق....

الآلية عادة لتتكرر قبل وبعد احتلال العراق، حيث انحاز الصراع باتجاه الشرق رغم أن التسوية و "عمليتها" المستمرة لم توصل إلى سلام، ولم تشكل أي مساحة لانتهاء الصراع مع إسرائيل... وربما نشهد اليوم عودة لحرب الظلال في لبنان بمسلسل الاغتيالات، رغم عدم وجود بريجنسكي في الإدارة الأمريكية.

بالطبع فإن بريجنسكي ليس رمزا، أو الشخص الذي خلق "الحروب الغامضة" والمخفية تحت ستار من صراع أجهزة الاستخبارات، لكنه مع موعد زيارته للشرق الأوسط يعيدنا إلى الصور المتكررة التي تبدو وكأنها ملفات مفتوحة تستطيع أي إدارة التلاعب بها، بينما نعجز عن مراجعة سياساتنا أو حتى منهجية نظرنا إلى نوعية "الصراع" الذي نخوضه.

بريجنسكي الذي يبدو في كتابه "الاختيار" حكيما يحاول وضع السياسة الأمريكية على محك جديد، بعد أن قادها جورج بوش الابن حسب ادعائه خارج أي معيار أخلاقي، هو وليد "إدارة" مرتبطة بالحرب الباردة، وإعادة تشكيل القوى العالمية عبر عدة محاور، لذلك فإن "الحكمة" ربما تقتضي أن نراجع نوعية "حرب الظلال" التي هندس جزء منها في السبعينيات، فهذه الحرب ليست معركة فقط، بل بلورة لفاهيم وتلميع صورة "سياسيين"، وربما إعادة تكوين "المفاهيم"، التي أدت في زمنه لمنح بيغن والسادات جائزة نوبل للسلام.

في المراجعة أيضا نوع من رؤية "الثوابت" التي نكررها دوما في خطابنا السياسي من زاوية جديدة، لأنها كانت مهددة دوما لكننا على ما يبدو لم نكن قادرين على منها "بعدا ثابتا" في ثقافتنا السياسية، وهذا ما يفسر أن المجتمع يتمسك بها أكثر من النظم السياسية، فيظهر التفاوت بين النخب وبين المواطن المراقب والمحبط لدرجة الانخراط بعمل "جهادي". فهذا التناقض يدخل الطرفين في خطأ مشترك ويجعلهم هدفا لحرب الظلال من جديد.

بريجنسكي أعاد تصنيع "المعارضة الجهادية" في أفغانستان وفي غيرها من الدول الشرق أوسطية، وبدواعي "ديمقراطية" ماتزال سائدة حتى اليوم شهدنا تقلبا في العمل السياسي، وانتهاء لحقبة كانت "القومية" فيها تشكل الهوية التي تدفع للمقاومة، وأصبحا أمام "جهاد" لجغرافية له، بينما تشهد جغرافيتنا أزمات متلاحقة دون أفق واضح.