أزمة الإعلام ليس "إعلامية" بالمعنى الدقيق، فعندما نتحدث عن "الموضوعية" أو "الاتزان" أو حتى "متطلبات الاقتصاد" في وسائل الإعلام، فنحن عمليا نستعير مصطلحات ثقافية لم تصل بعد إلى سوية حياتنا، وبهذا الشكل فإن القوة الإعلامية اليوم تتركز في مصادر محددة لم تنتجها الثورة الصناعية وحركات تحرر المرأة وثقافة ما بعد الحداثة... بل فرضتها تشكيل الطبقة السياسية كما شهدها العالم العربي بعد الفورة النفطية...
بعد هذه الفورة أصبحت البقعة الوحيد للصحافة، أي لبنان، في مهب الحرب الأهلية... وربما علينا تذكر حجم المال المتدفق حتى "تندلع الحرب" أو تجد صحافة مرافقة لها... وفي مرحلة لاحقة ومع بداية الثمانينات كان الصحافة "مغتربة" بوجه عام...
ظهرت مؤسسات جديدة، وتأسست صحف وغابت منشورات، وربما تبدلت أخلاق الإعلام باتجاه "اتفاقيات الجنتلمان" ليصبح الإعلام "حديثا وفق تقنيات الأقمار الصناعية... والفورة النفطية أنتجت أيضا الفضائيات والإنترنيت وغيرها، لكن المهم أن المسألة لم تخضع لحساب اجتماعي...
في قضية واحدة فقط هي المرأة استطاع الإعلام الذي تفوح منه "الثروات" أن يقنعنا بأن "الأنثى" يمكن استنساخها إعلاميا، فشهدنا طفرة إعلامية في المطبوعات التي أعادت القياس التقليدي للأنثى، لكن هذه المطبوعات التزمت بسياق ظهر سابقا في أوروبا وتناست أن هناك عدد مشابه من الدوريات التي تهتم بـ"الأنثى" وفي السياق الاجتماعي وليس على منوال "طبخة" اليوم....
فأزمة الإعلام لم تكن مرتبطة بقدرتنا على تطويع التقنيات بل بعجزنا الثقافي عن إحداث التحول في طبيعة الرسالة الإعلامية، ووفق هذه الصورة فنحن "خاضعون" إعلاميا لـ"الاقوي" في تكريس تيار منفصل لا علاقة له بالمنتج الإعلامي، وليس رتبط بحجم الإعلان وبالقوة الصناعية القائمة ورائه... إنه إعلام ريعي قادر على فرض قوانينه كما يشاء مع "مساحة" ليبرالية تنقل طيف التراث فقط...
في الإعلام الريعي تصبح الأنثى جارية القرن والوحد والعشرين، وقادرة على التبهرج والتزين و "الانقياد" وراء السلطة الريعية مهما كانت... ولم يعد رأسمال كما في "الغرب" يحكم الإعلام.. بل "المزاج" الريعي القادر على التقلب نتيجة غضب الصحراء أحيانا، أو التواءات البيت الأبيض تارة أخرى.... وفي هذا الإعلام صورة لضرورة تبديل رسالتنا الإعلامية، أو لخلق مجال جديد حتى ولو بدى "نشازا" لأن الحل الوحيد هو البحث عن "الجمهور" النشاز" والرسالة التي لا تلتزم بإشارات المرور "الريعية"...
حل النتاقض اليوم بين قوة الرسالة الإعلامية القادمة إلينا أو المرسلة منا تعتمد على إبداعنا فقط، لأنه نقطة التفوق الوحيد لنا طالما أننا لا نستطيع "شراء" الجمهور باقتصاد أو إعلام ريعي... إنها ملاحظة فقط أو جتى نموذج يمكن تعميمه من الصحافة النسائية باتجاه أي إعلام تخصصي!!!!