ما حدث عشية قمة العشرين في لندن هو نموذج فقط لما تشكله "الأزمة المالية" التي على ما يبدو تشكل محرضا اجتماعيا، لا يمس مصالح الناس بل أيضا ثقتهم بقدرة الإدارات السياسية على إيجاد حلول واضحة لمشاكلهم، وهذه الصورة الاجتماعية ستظهر لاحقا أيضا في مؤتمر دربن2 الذي سيعقد في جنيف وهو موجه ضد التمييز، لأن الضغوط السياسية التي مورست عليه ربما عدلت من وثيقته النهائية، إلا أنه يبقى من أهم التجمعات المدنية التي يمكن استثمارها لصالحنا.
بالطبع لن نحلم بأن يكون دربن المنعقد في جنيف على سياق المؤتمر الذي انعقد في المدينة التي تحمل اسمه في جنوب أفريقية عام 2001، فالطموحات العربية تقف أمام مقياس كامل لا يمكن تجزئته في مسألة التمييز العنصري، والحشد العربي الموجه نحو القمم أو المؤتمرات الرسمية لا يملك أي ظرف ذاتي تمكنه من تحول نوعي باتجاه استثمار دربن2، حيث يمكن قراءة هذا الموضوع باتجاهين:
الأول هي أن التعامل مع مثل هذه المؤتمرات يحتاج لتحول نوعي في نظر السياسات العربية تجاه أي عمل أهلي، وبمعنى آخر توسيع نظرتها للصراع مع العدو الإسرائيلي على أنه "صراع اجتماعي" يتيح للمجتمعات أفرادا ومنظمات الانخراط فيه من زاوية "تحديد العدو". وبالطبع فإن مثل هذا التعامل يقتضي إعادة النظر في أساليب التعامل السياسي ليس فقط بالنسبة للنظام العربية بل ربما لكل دول على انفراد، وهو أمر مازال حتى اللحظة خارج سياق النظرة الخاصة بالنظام العربي على الأقل.
الثاني هو أن المؤتمر ليس موجها ضد"إسرائيل" بذاته، بل هو يحمل مقياسا عاما تدخل دولة العدو فيه بشكل تلقائي، والتعامل مع دربن يقتضي في النهاية اعتماد هذه المقاييس حتى يستطيع "النظام العربي" العمل بفاعلية معه، فهو سيدفع الكثير من الدول العربية لاعتماد "شفافية" إضافية في مسألة التمييز وفي اعتماد قوانين المواطنة المعتمدة على معايير حداثية، وهذا الأمر هو مجال استفهام كبير ضمن آلية النظام العربي عموما.
أعمال دربن2 ستفتح أمام الحكومات والتشكيلات الأهلية العربية جملة من الأسئلة حول قدرتهم على إدارة صراعهم دون أن يحاولوا إيجاد تبدل في ثقافتهم السياسية أو حتى الاجتماعية، فهو يتيح التعرف على أكبر لوبي معاد لصهيونية، لكنه لن يكون فاعلا لأن الدول والتشكيلات العربية غير قادرة على الفعل فيه.