يصر بعض الباحثين العرب أن العلمانية هي غربية ، وهي معطوبة ، لأنها ( وحسب وجهة نظرهم ) غير مخلصة لذاتها ( يذكرنا الكلام عن الأخلاص بالكلام عن الديموقراطية الغربية غير المخلصة لذاتها هي أيضا ) وذلك من خلال ردود افعالها الغربية على ما يواجه دولها أو مجتمعاتها على اساس انها لا تتبع التعليمات الأيديولوجية للعلمانية بدقة واخلاص مما يثقب الصحة التنظيرية لها و يجعل منها كذبة مارستها شعوب على شعوب دون أية عدالة عقلية او منطقية .
يذهب هؤلاء ( الباحثون ) فورا الى تشخيص ( عكس التجريد ) أعطاب العامانية الى الأمثلة المشخصة ،فيذهبون الى فصل الدين عن الدولة ويبدأون بتفنيده واظهار كذبه فالغرب يكذب في هذا البند الاساسي للعلمانية فهو لا يفصل الدين عن الدولة وانما يوهمنا بذلك كي (يجر رجلنا ) الى الهاوية بينما هو يرفل بعدم فصل الدين الدولة ضمانا لسعادته ؟ ويطرحون من الأمثلة ما ليس بحاجة الى لبيب ليفهمها مثل سلمان رشدي وتسليمة نسرين وقضية الحجاب في فرنسا أو الرسوم المسيئة الخ والتي تروى بطريقة بحاجة الى الكثير من الثقة بالنفس الذي ينتج عادة عن عدم الشعور بالنقص او الاضطهاد أو حتى عدم الغيرة والحسد من الغرب ومنتجاته ، كم انها بحاجة الى فهم العلمانية نفسها وفهم القوانين الناظمة لمجتمعاتها لها كي تصح المقارنات دون تضخيم او عويل أو ردح عالم ثالثي عقيم يهيج العواطف وردود الأفعال الغبية بدلا من ان يثير العقل ويحمس على الانتاج والابداع .
في كل الأحوال ومن دون العودة الى ترهات التشخيص والامثلة والردح تبقى العلمانية شأن مجتمعي داخلي ، اختارته المجتمعات بطريقة تناسبها ( لأن للعلمانية أنواع ) كي تمارسه داخل مجتمعاتها ، فهذه المجتمعات حرة في كيفية ممارستها لعلمانيتها وديموقراطيتها واقتصادياتها وثقافياتها ، ولا يصح لأحد خارجيا أن يكون طرفا مقيما ومفندا لقوانين أو ايديولوجيات أمم وضعتها باختيارها ، فمن يريد أن يطرح مثالا مثل الدعوى التي اقامها البابا على احدى الممثلات لأنها أساءت الى شخصه كمثال على عدم فصل الدين عن الدولة ..عليه أن يعلم بالقوانين الناظمة لمثل هذه الحالة وكما عليه أولا أن يكون من مجتمع علماني ليعرف الفرق ، او ليقول ما يعرف و عن ما جرب على الأقل . اليس كذلك ؟
العلمانية اختارتها الكثير من المجتمعات كمآل معرفي لخدمة مجتمعاتها هي ، واسست عليها النظم والقوانين الضابطة لحراك مجتمعاتها ومصالحها هي ، وهي مسؤولة عن مسائلها وقضاياها ، وليست معنية بقضايا ومسائل الآخرين الا عبر تشاركيات مصلحية ، وهذه التشاركيات تخضع لمفاهيم المساواة بسبب التساوي بمستلزمات المشاركة واستحقاقاتها ( اذ لا تصح مشاركة ومساواة صاحب طنبر بصاحب طائرة في شركة نقل مثلا ) .
وعي العلمانية هو وعي بمستلزمات مجتمعاتنا وليس وعي لا.. مستلزمات المجتمعات الأخرى ... والا كانت للأمثلة المشخصة صولة وجولة تجعل من منتقدي العلمانية المؤثمة سلفا غبارا ثقافيا قابلا للنفخ .