ما هو الفاصل بين العمل الرسمي أو التحرك الاجتماعي؟ هو السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عند كل حدث، وعلى الأخص عندما يرتبط الأمر بمؤتمر يثير الجدل أو تتحرك إيران تجاهه، أو حتى نبقى بعيدين عنه وكأنه نوع من "الملاحم" التي نعجز الدخول اليها.
ربما من المؤسف عدم القدرة على قراءة هذا الحدث من واقع الفعل الاجتماعي، لأن السياسات الرسمية غالبا ما تكون انعكاسا للثقافة الاجتماعية السائدة، وهو ما يجعل الفرص القادمة تذهب بعيدا على الأخص أن الجميع ينتظر الفعل السياسي، والمعروف دائما أن العمل السياسي حذر إن لم نقل جبانا، وإذا كان الرئيس الإيراني كسر هذه القاعدة فلأن الدور الإيراني يبدو على المحك اليوم في مواجهة واقع "الجمود السياسي" المنتشر على مساحة الأزمات العربية.
في مؤتمر جنيف أو ديربن2 هناك مؤشر على أننا نريد فهم ما يحدث على طريقتنا، وليس في سياق القدرة على العمل، فحجم التحرك لا يمكن أن يبقى على ساحة السياسة الرسمية، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نجعل من قضايانا مجرد ساحبة صيف بينما نتمسك بالشعار السياسي الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من أمامه، فتحويل الواقع لم يكن مجرد إجراء سياسي، ومعزوفة معاداة السامية لم تظهر لأن "إسرائيل" تريد ذلك، بل ربما لأن هناك حركة مستمرة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم تقودها المنظمات اليهودية.
نريد لديربن2 أن يتفرغ لقضايانا بينما لا يستطيع السياسيون الاتفاق حول طبيعة "إسرائيل"، وهم يشعرون أيضا أن مثل هذه القضايا هي من سمة العمل السياسي، وبالطبع فإن المنظمات "الأهلية" ربما لم تختبر قدرتها على رسم عمليات الضغط أو خلق لوبيات طالما أنها متشابكة مع القضايا السياسية، فالهيئات الأهلية "الوسيطة" أو "الداعمة" للقضايا الاجتماعية لم تزل تتحرك ما بين السياسة وحقوق الإنسان، وهي لم تشكل طفرتها الخاصة في التحرك على مساحة "المصلحة الاجتماعية".
بالطبع هناك من سيلوم سياسة الحكومات العربية تجاه "الجمعيات الأهلية"، لكننا على ما يبدو لم نكن قادرين حتى على تأسيس هيئات افتراضية على الانترنيت، أو التعامل مع جمعيات الضغط، في وقت يظهر الكثيرون وهم ينظرون على مسألة عدم جدوى "ديربن2" وضرورة العودة لقرار هيئة الأمم المتحدة بشأن الصهيونية كشكل من أشكال التمييز العنصري، ولكن وضع النقاط على الحروف تجعلنا ندخل المنطقة الحقيقية، حيث لا رغبة فعلية بالصراع وبخوضه عبر مجالات مختلفة، وربما هناك سياسات يرعاها النظام العربي تريد التوقف فقط عند المبادرة العربية أو عملية التسوية أو حتى "الرباعية الدولية" أو "العربية" لا فرق... انتهى مؤتمر جنيف وكل ما حدث فيه كان متوقعا، لأننا قناصون خيبات فقط.