ربما تنطلق الأردن اليوم من المسافة التي تجمعها بكل خيوط الصراع، فالبنسبة لها ليس كافيا توقيع اتفاقية سلام مع "إسرائيل"، لأن المعادلة السياسية أعقد بكثير من أ ي تفاهمات تسوية طالما أن مسألة الوطن البديل تظهر في كل حقبة سياسية على مساحة "أزمة التسوية"، والملك عبد الله الثاني ربما يتحرك على مساحة المخاطر التي تحملها بوادر البحث عن تعديل أساسي في "المبادرة العربية"، فرغم أن إلغاء حق العودة حتى مع الإبقاء على حل الدولتين سيؤدي على الأقل إلى تعقيد العلاقة الفلسطينية - الأردنية، وربما يعيدها إلى النقطة الأساسية التي ظهرت بعد احتلال فلسطين عام 1948.

عمليا فإن مباحثات العاهل الأردني في دمشق لا تحمل عناوين عريضة بل جملة التفاصيل التي بدات تدخل على مسألة التسوية ومن باب المبادرة العربية، فالأردن مطلع بالدرجة الأولى على نوعية التفكير الأمريكي بهذه المبادرة وعلى التحفظات الخاصة بموضوع حق العودة، وهو في نفس الوقت يدرك أن التنسيق العربي في هذا الشأن ربما عليه الانطلاق من نقطة خارج المبادرة طالما أن التسويات لن تتم من داخلها حتى ولو حملت التصريحات الأمريكية إشادة بها، فالدور الأردني في مسار التسوية يرتبط بنقطتين أساسيتين:

الأولى لها علاقة بنتائج أي تسوية أخرى بين أطراف الصراع لأنه سيتأثر بشكل مباشر بها، وهو مع حذره الواضح من أي تعديل مفترض على المبادرة العربية لكنه أيضا حريص على التنسيق مع دمشق وحول نقاط التسوية المرتقبة مستقبلا، على الأخص أن إدارة أوباما عازمة على طرح تصورها خلال الأسابيع القادمة.

الثانية هي نوعية التسوية القادمة والتي تقع حتى اللحظة على طرفي نقيض ما بين الولايات المتحدة و "إسرائيل"، ففيما يتم الحديث عن "حزمة شاملة" تريد إدارة أوباما طرحها، يبدو الجانب الإسرائيلي مغرم بالتلاعب في المسارات، ونتنياهو نفسه يملك إرثا في هذا الموضوع، بينما تشتغل إدارته اليوم في مسألة مختلفة نوعيا لها علاقة بإيران، وبالنسبة للأردن فإن وجود حزمة متكاملة سيجعلها ضمن مسارات التسوية رغم توقيعها اتفاقية وادي عربة، لأن "الحزمة" ستطرح موضوع اللاجئين وحل الدولتين، وعلاقة الدولة الفلسطينية "المفترضة بجوارها، وهو شأن يمس عمق الدولة الأردنية.

بالطبع فإن "السيناريو" الجديد للسلام سيكون محور عملية "التشابك" أو "الفرز" السياسي القادم، فالمسألة ليست على ما يبدو في إمكانية التسوية بقدر كونها في صورة العلاقات الإقليمية التي ستظهر في المرحلة القادمة، وتصبح مجال الحراك الدبلوماسي العربي والدولي، وربما لن يطول "ربيع" الهدوء السياسي الحالي، وهو ما يقلق الطرفين الأردني والسوري، على الأخص أن السيناريو الجديد لن يخرج من الشرق الأوسط، بل هو توليفة توازنات ترسمها الإدارة الأمريكية على قاعدة حربها الجديدة باتجاه شرقي آسيا.