قاعدة عسكرية فرنسية ربما لن تزيد كثيرا من حجم القوات العسكرية المتواجدة في الخليج، لكنها في نفس الوقت تقدم توجها بات واضحا في التعامل مع الأمن في الشرق الأوسط وليس فقط في "منابع" النفط، فالخيار الإماراتي هو في النهاية يشكل توجها سياسيا، وربما افتراقا أمام حالة سابقة شهدتها منطقة الخليج منذ تأسيس دول مجلس التعاون الخليجي، وما تبعه من اتفاقيات وصلت إلى مساحة "الأمن الوطني" بعد تشكيل قوات "درع الخليج" التي أصبحت اليوم مجرد تاريخ خاص بالمنطقة.
بالطبع فإن تواجد القاعدة الفرنسية مهما بدا محدودا لكنه يشكل عتبة دولية وإقليمية أيضا، على الأخص أنه يأتي ضمن مساحة عالمية يسودها هدوء واضح وآلية تحاول إيجاد منافذ للحوار داخل الأزمات الساخنة ابتداء من إيران وانتهاء بفلسطين، لكن هذه القاعدة توضح أمرين:
الأول يعكس توجها خليجيا بشأن مسألة الأمن الوطني، فهناك تحول نحو "عولمة هذا الأمن" ووضعه في إطار أوسع، على الأخص أن ساحة الصراع المستقبلية يمكنها أن تتجه شرقا في حال إقدام "إسرائيل" على ضرب إيران، فمثل هذا العمل لن يبق حسب بعض المراقبين محدودا ويحمل مخاطر حربا إقليمية واسعة.
الثاني محاولة التأثير على التوازن الخليجي من خلال تواجد دولي أكبر، والواضح اليوم أن هناك حجم من القوات العسكرية تحاصر الشرق الأوسط، سواء كانت هذه القوات دولية كما في لبنان (يونيفيل)، او تابعة لدولة معينة كما هو في الخليج، فالقاعدة العسكرية بحد ذاتها تطرح الكثير من المؤشرات حول الترابط الخاص بين الدول الخليجية من جهة وباقي النظام الرسمي العربي.
عمليا فإن التواجد الفرنسي سيعبر أيضا عن واقع سياسي مختلف فالقاعدة الفرنسية جاءت بعد عام من الترويج الفرنسي لبيع دول المنطقة مفاعلات سلمية، فالمسألة تتعدى حالة "الاستعراض" السياسي التي يهواها الرئيس الفنرسي نيكولا ساركوزي، لأنها مرتبطة أيضا بواقع جيوستراتيجي يتم فيه نشر "الطاقة النووية" على ضفتي الخليج.
فالتأسيس الحقيقي الذي يظهر اليوم في منطقة الخليج يبدأ من إخراج هذه المنطقة عن نمطية وضعها القديم، فهي لم تعد فقط مساحة حمراء نتيجة خطوط الطاقة التي تنطلق منها، بل هي أيضا جغرافية حيوية بين "ضفتي" الأزمة النووية القادمة التي تحاول "إسرائيل" رسم سيناريو خاص لها عبر "الملف النووي الإيراني"، واعتباره حسب نتنياهو الخطر الذي يجمع "الإسرائيليين والعرب"، حيث لا يمكن فصل عدد من التحولات الجارية اليوم عن هذا السياق، لأن محاولة "خلق" صراع جديد بعيد عن "الحدود الخاصة" لـ"إسرائيل" يتطلب جبهات جديدة واقعية وليس فقط عبر التصريحات السياسية.
ما حدث في الإمارات يفتح بابا لقراءة الصراع القادم خارج الإطار الذي تم رسمه بمحاور افتراضية من "اعتدال" أو "ممانعة"، أو ربط هذه المحاور بقوى إقليمية، لأن تسارع الحدث سواء بافتتاح قواعد عسكرية جديدة، أو بالبدء ببناء مفاعلات نووية "سلمية" سيقود في النهاية إلى اعادة رسم القوى الإقليمية وربما استبدالها بقوى خارجية كما حدث في العراق....