حتى ولو لم يطرح أوباما الكثير في كلمته، أو كانت مخيبة للآمال عند البعض، بينما فرح البعض فيها، لكنها في النهاية تشكل "عتبة" التعامل الأمريكي مع مسألة الشرق الأوسط عموما والصراع العربي - "الإسرائيلي" بشكل خاص، فما هو متاح أمريكيا لن "يتحول" طالما أن المعطيات العربية "الرسمية" تحدد خياراتها وفق "المتاح" الأمريكي، بينما أطلق "إسرائيل" مناورات "وجودية" بكل ما تحمله الكلمة من عمق أمني، وإستراتيجية هي الأخرى واثقة من طبيعة الدور الأمريكي في المنطقة.

كان واضحا منذ بداية برنامج أوباما أن تبريد الجبهات الساخنة لا يقف عند حدود النوايا الحسنة فقط، فهو اختار أن يخاطب "العالم الإسلامي" من موقعين مختلفين، لكنه في نفس الوقت اعتمد آليات إضافية في تبريد بعض الأزمات أو إعادة تشكيلها في مواقع أخرى كما يحدث في باكستان وأفغانستان، فنحن بالفعل أما تحول في الاستراتيجية الأمريكية لكنه لا يعني أن الأزمات يمكن أن تتجه نحو الحل، وهي رسالة كانت واضحة بالنسبة لـ"إسرائيل" التي باشرت مناوراتها عشية قدومه للمنطقة، بينما بدأنا نقرأ تحليلات "واعدة" على مساحة الخطاب العربي فور انتهاء الخطاب.

عمليا فإن ما قاله أوباما لا يمكن قراءته منفصلا عن المناورات العسكرية التي حدثت، فهو مرتبط بها بشكل وثيق، ويعبر عن تحولات دفاعية في الشرق الأوسط عموما، فـ"إسرائيل" تقوم باستجابة لما ستحمله الإدارة الأمريكية، وهذا الأمر يعني ان تبريد الأزمة لا يحمل معه انتهاء المخاطر، بل "تحولها" أو حتى تنوعها باتجاهات فيها الكثير من الاحتمالات، ورغم ان المناورات الإسرائيلية حصرت "الخطر" بشكل كلاسيكي، لكنها بدأت من الداخل عمليا، ومن احتمالات باتت متوقعة بشكل دائم، على الأخص أن عمليات الاستيعاب السياسي لحماس ما تزال تقف عند نقطة حرجة.

خطاب أوباما وضع الافتراق في استخدام المصطلحات التي تبعثرت كثيرا في عهد سلفه جورج بوش، لكنه كان واضحا في التوجه نحو مساحة واحدة يأمل أن يدخلها "الآخرون" أو ما اصطلح على تسميته "الممانعون"، وفي النهاية فإن هذه العملية تتم على الساحة الرسمية وليس على المستوى الاجتماعية العام، سواء داخل العالم العربي أو في "إسرائيل"، والاحتمالات الأخرى هي "التشظي" على شاكلة ما يحدث بين باكستان وأفغانستان، فيصبح التفتيت الداخلي أمرا واقعا نتيجة حدة التناقض بين السياسات الرسمية والثقافة الاجتماعية، وهذا الأمر هو الذي يدفع "إسرائيل" للمناورات، والسلطة الفلسطينية إلى تعقب حماس بشكل غير مسبوق بعد زيارة محمود عباس إلى واشنطن.

وعلى ما يبدو فإن "إسرائيل" حزمت أمرها في هذا الاتجاه وهي أيضا تعرف أن الطريق في تسوية رسمية سيحمل معه العديد من التغيرات التي ستنصب عليها، فكانت مناوراتها على شاكلة الدفاع الداخلي من جهة والحروب ضد دول من جهة أخرى، وهو شكل غير مسبوق توقف منذ عام 1974، مما يعني أنها تتوقع حالة من التداخل بين المقاومة والدول التي مازالت تقف خارج إطار الاعتدال، هذه الصورة هي التي تدفع للتفكير بـ"التحول الدفاعي" الذي يمكن أن تشهده المنطقة خلال السنوات الأربع القادمة.