هي جهة تشريعية التي تحدثت عن "نسيان" مشروع قانون الأحوال الشخصية، لكنني أرتبك أمام نوع من الغبار الذي يظهر بعد أي "جولة" نقاش، فهل من الممكن النسيان!!! وهل من السهل "طمر" الحروف التي تقلبت فوقنا وأحرقتنا أو استنفرت طاقتنا حتى نتحدث عن ما نسيناه قبل أكثر من ربع قرن، لكن البعض أخرجه من "كفنه" وتباهى بعرضه على أعيننا...

مسألة النسيان هي شأننا الخاص، وذاكرتنا ليست ملكا لأحد فهي تستطيع أن ترتب الصور والحروف التي رافقت هذا المشروع، وهي أيضا قادرة على أن تغفل للحظات أو لساعات، فالذاكرة لا يمكن أن تصبح شيئا مهمشا، وعندما تصفعنا بقايا التفكير الضبابي أو الرمادي أو المهدور على مساحة التراث، فنحن سنتحول إلى طيف لإنعاش الذاكرة ولكتابتها بأحرف ربما تكون خارجة عن سياق الماضي.

وإذا استطعت "شطب" ذاكرتي فإن ما حفر على العقل يشع بألف اتجاه ويكون "الحداثة" التي بقيت وراءنا، فتجاوزناها بكم الأقاويل أو البحث عن مشروعية لكلامنا وتفكيرنا، أو حتى عن جواز بقاء مساحتي وصوتي، فعملية "الشطب" حادثة بشكل دائم، وإلغاء صوتي أو "صوته" مستمر لأن "حضرة التراث" يحيل العالم إلى زمن واحد، والبشرية إلى صورة مفقودة منذ ابتداع "الطقوس" التي صارت نوعا من الجحيم الذي يستهلكنا.

أن ننسى القانون أصعب من أن نبقى نسير في مساحة معاكسة له، لأن النسيان معاكس لنوعية الحلم الذي يجتاحنا في رؤية اتجاه واضح المعالم في القوانين، أو لنستطيع أن نضع الدستور في قلوبنا والوطن في "العرس" الذي يسبح في دمنا، فعندما نعرف ان كل الكلام أوصل على الأقل اللون الذي نريده فإننا سنفرح، لكننا سنصاب بذهول "النسيان" أو فقدان الذاكرة، لأن "المشروع" ليس مجرد أوراق ومواد قانونية، بل هو التفكير الذي يجتاح البعض فيجعلهم يتخيلون أنهم قادرن على استحضار الزمن العثماني أو جغرافية التاريخ المملوكي.

مساحة ذاكرتنا رحبة... ذاكرتنا موجودة دائما... ذاكرتنا ستدفعنا نحو الحداثة...