ما يحدث اليوم يتجاوز قضية التعاون السوري - السعودي في الملف اللبناني، فالتحرك الدبلوماسي للرياض يعتمد أساسا على فتح "الأبواب المغلقة" بعد تحول في الشروط التي تحيط المنطقة ككل، وإذا كان واضحا منذ قمة الكويت أن السعودية تريد أن تتماشى مع الواقع الدولي الجديد، فإن التأثيرات الحقيقية بدأت قبيل الانتخابات اللبنانية، فظهر المشهد الإقليمي وكأنه أمام انتقال حقيقي في الأدوار ربما يذكر بما حدث بداية التسعينات ولكن مع اختلاف المواقع لكل من دمشق والرياض.

لكن "الدور" السعودي لم يعد يحقق الشروط المطلوبة التي ظهرت منذ أواسط الثمانينات، وهو أمر ربما ينطبق على دمشق أيضا، فالتوازن في لبنان لا يمكن أن يتم وفق مواصفات "الصفقة" الكاملة التي تنقلها التقارير الإعلامية، فحتى مع إمكانية الوصول إلى تفاهمات تؤدي لتشكيل الحكومة اللبنانية، لكن هناك أمرين أساسيين سيؤثران في مساحة الدور السعودي:

الأول هو قدرة الولايات المتحدة على التعامل بشكل سريع مع الأزمات المؤثرة داخل الملف اللبناني، وهو أمر لا يزال في المساحة الرمادية، فالإخفاق في تحقيق أي خطوة مباشرة في موضوع "التسوية" سيوقف الكثير من المواضيع داخل لبنان مثل "المخيمات" وسلاح المقاومة، وحتى التعامل مع "إستراتيجية الدفاع" التي طرحها حزب الله. فـ"الصفقة" الكاملة حسب التقارير الإعلامية هي في واقع الحال موقعها خارج لبنان وليس داخله، وما يحدث اليوم يشكل نوعا من "التمهيد السياسي" الذي سيتوافق لاحقا مع أي خطوات على الصعيد الإقليمي.
الثاني هي الشروط التي تسير عليها الدبلوماسية السعودية، والواضح أنها تحاول استيعاب المراحل السابقة التي خرج منها "اللاعبون الكبار" وأدت لاتفاق "الدوحة"، لكنها في نفس الوقت غير قادرة على الرجوع إلى "شروط" الطائف فقط، فهناك مجموعة من الأحداث التي تجعل دورها يسير على هامش ضيق.
التركيز اليوم حول جزئيات التحرك السعودي هي نوع من تجاوز الأزمة باتجاه المصالحات، وما حدث في المنطقة ربما لا يحتاج لمصالحات بمعناها النمطي، لأن الصراع الذي تم فتحه تجاوز الأدوار الإقليمية باتجاه مجلس الأمن والمحكمة الدولية، وبات من الصعب البحث عن دور إقليمي متجدد، أو فتح "معابر" سياسية في ظل رؤية تتجه نحو فهم الاستقرار في المنطقة على أنه "توازن دولي"، ورؤية أخرى تجده في توازن الدور الإقليمي، ووسط التناقض ما بين التصورين فإن القدرة على خلق انفراج ستبقى مجرد حدث ربما يطول أو يقصر...