بقدر ما أثارته الاتهامات العراقية الموجهة إلى سورية من إشارات الاستفهام، فإن الاتفاق الذي تم في الجامعة العربية هو أيضا يثير التساؤلات، فعنف الأزمة لم يكن يوحي بأن المسائل ستسير على هذه الشاكلة، ورغم ضعف "الادعاءات" العراقية وربما عدم منطقية الآليات التي سارت بها نحو التدويل، لكن السؤال الأول ما الذي استجد منذ زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قبل أقل من أسبوع لبغداد ودمشق، وما الذي حدث أمس في الجامعة العربية وبحضور أوغلو؟

تصريحات وزير الخارجية العراقي هيشار زيباري لصحيفة الحياة لا توحي بأن الأزمة ستغلق سريعا، كما أن بعض الصحف العراقية تابعت الحديث عن الخلافات مع دمشق بنفس الطريقة السابقة، ولكن المهم أن مسألة "التدويل" لم تعد قيد التطبيق حاليا على الأقل، علما أن الأجواء التي بدأت فيها اجتماعات مجلس الجامعة العربية لم تكن توحي بالتوصل لنتائج إيجابية، كما أن تصريحات "أوغلو" بعد الاجتماع الرباعي تقدم مؤشرا على أن هناك "مسار" لحل الأزمة وليس انفراجا حقيقيا لها.

والواضح أن ما حدث يقدم مشهدين أساسيين:

الأول هو أن الصراع السياسي في العراق مختلط لأبعد الحدود، وبقدر التصعيد من الحكومة فإن المواقف تصدر متباينة، فالمهمة التي تظهر اليوم تجاه التدويل أو توجيه الاتهام لسورية ليست واضحة، وهو ما أدى لتدخل الرئاسة العراقية في هذا الموضوع، لكنها في نفس الوقت لم تستطع أن تضع ملامح نهائية لمسألة الأزمة مع سورية.

الثاني أنه في مقابل التدويل فهناك أيضا "تشتيت" للمسألة من خلال إدخال أطراف جديدة، مثل اقتراح البحرين استضافة من تريد العراق أن يبتعدوا عن سورية، وبالطبع فإن الأمن العراقي لا يمكن أن يرتبط بمجموعة أشخاص، فالاقتراح البحراني له مساحة سياسية وليست أمنية، وهو أيضا لا يدخل في صلب حل الأزمة بل في خلق تشعبات داخلها.

ما قامت به الجامعة العربية هو توسيع دائرة التعامل مع الأزمة، بينما بقي "الوسيط" التركي هو الأساسي في هذا الموضوع، وهو كان حاضرا في اجتماع "مجلس الجامعة العربية" دون استغراب من باقي الأعضاء الذين اعترضوا سابقا على حضور ضيوف شرف لبعض القمم العربية، فالأزمة بين بغداد ودمشق في النهاية أوجدت وظيفة كانت معطلة داخل الجامعة العربية، أو حاولت "منح شرعية" للدور التركي إن صح التعبير، بينما تم رسم مسار لهذه العلاقة وفق خطوط "محاصرة" بأدوار إقليمية جديدة.

الأزمة ربما ستسير على مساحة جديدة الآن، لكنها تعكس عمقا خاصا في نوعية النظر إلى دول المنطقة، أو حتى لتحديد وظائف للتكتلات السياسية الموجودة أو حتى للتنظيمات سواء كانت "الجامعة العربية" أو غيرها.