هي مساحة "إبداع" يمكن أن نرسمها أو ننقلها إلى داخل جغرافيتنا الضيقة، فبعد موسم درامي رمضاني ربما أقف على جماليات إعلامية يريد بها الكتاب إغراقنا بتقنيات "الدراما"، أو حتى بعنجهيات السياسة، فعندما ينتهي رمضان فإننا نقف على فراغ حقيقي وكأن "الثقافة" هي واقع علينا أن نعيشه مرغمين.

مساحة الإبداع تملك خطوطها الخاصة ولا يمكنها أن تعيد إنتاج نفسها عبر الزمن، لأنها تسير خارج ما هو مألوف، فالأطوار الخاصة بالحياة العادية هي في النهاية لا تدخل في حساب من يرون الحياة على شاكلة مختلفة، وعندما "يصورون" الواقع فإنهم لا يختزلون الحياة، أو يضعون "نقطة في "قاع المدينة"، لأن الإبداع يحمل فضاءاته حتى ولو أراد أن يدخل في صلب الواقع.

أريد أن ألحظ التشابه بين الثقافة والسياسة... بين التعابير التي ترتسم أحيانا وكأنها استنساخ لمقولات سابقة، فما بين تصوير الواقع و "الأمر الواقع" هناك مسار طويل داس على أحلامنا، وجعلنا بلون رمادي، ورسم أسياجا حول أجسادنا وعشقنا ورغبتنا في الحياة، فجدار "الفصل العنصري"، لا يخص الضفة الغربية، وهو لم يكسر حركة الحياة في شريحة معينة، لأنه على ما يبدو ظاهرة يريد البعض أن تكون ثقافة داخل عقولنا، فتجعل منا حارات ومخافر ونقاط تفتيش، فنرسم أنفسنا على حجمها ونكتب وفق الخيال التائه ما بين "الفقر" أو "الحرية" أو حتى "الرذيلة" وكأنها مطلقات علينا أن نجردها من حالاتها الإنسانية، أو نجعلها دون احتمالات الحياة بين الناس.

حدودنا مكتوبة داخل قناعتنا بأننا "نكشف المستور" المكشوف منذ أن وجدنا، لكن على ما يبدو أن ثقافتنا هي المستور... وسياستنا هي مغلقة بغطاء قرمزي نسجته المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان والواقعية السياسية.... وحدودنا هي في النهاية ما نحفره داخل تراثنا الذي يتشكل اليوم ليصبح للأجيال القادمة نوعا من العواصف الرملية التي تحجب الرؤية، فنقتنع أننا موجودون وسط القذارة النهائية.

الدراما الخاصة بنا هي على قياس هذه الثقافة المحشورة في المقاهي... محاولة اقتباس تجارب انتهت منذ أكثر من نصف قرن، لكن هذا الاقتباس لم يستطع خلق الحي اللاتيني الذي انتهى بصورته التقليدية في باريس بينما نحن مصرون على حشر أنفسنا على المقاعد ووسط الدخان والنقاشات التي لم تصل حتى اللحظة إلى الحدة التي تعبر عن الحرية....

ثقافتنا وعلى قياس سياستنا لصيقة "زيف الحرية" المفروضة على سياق الفضائيات العربية، وعلى مساحة رمل الصحراء، فعندما نتخيل أننا طرقنا بوابة المحرمات نجد أنفسنا أمام تثبيت لهذه الخطوط حتى عندما تظهر أمامنا... نحن نفكر ضمن الحدود المفروضة، ونتخيل أننا نعيش في "سان جيرمان" قبل خمسين عاما.