وصل العاهل السعودي إلى دمشق ليواجه البلدان من جديد ملفات التوازن الإقليمي، بعد مرحلة اعتبرها البعض نتيجة الخلافات بينهما، في وقت يؤكد فيه الخبراء بأن اختلال التوازن في الشرق الأوسط كان السبب الرئيس في ظهور ما يمكن تسميته بـ"البرود" و "الاختلاف" الذي ظهر بشكل مباشر عبر انقسام عربي.

في المقابل فإن الترقب الذي رافق مرحلة التحضير للزيارة عزته مصادر دبلوماسية عربية إلى نوعية الملفات الشائكة التي سيفتحها الجانبان، مع التأكيد أن هذه المسألة هي عملية وليست إجراءً سريعا، وأن الانفراج سيحدث نتيجة البدء في التنسيق بينهما، فالحديث اليوم عن "أولوية للملف اللبناني" ربما لا يعبر بالضرورة عن جوهر المباحثات التي بدأت، لأن دمشق والرياض تربط بين العوامل السياسية المستجدة التي حدثت منذ احتلال العراق و أثرت على كل الملفات، حيث تربط المصادر بين قدرة البلدين على تنسيق مواقفهما في العراق، وظهور توافق لبنا ني حول الحكومة، على اعتبار أن هناك عوامل مشتركة بين الملفين أهمها دور القوى الإقليمية والدولية في التأثير على الاستقرار في العراق ولبنان.

والواضح أن أجواء الزيارة في يومها الأول توحي بأن هناك أمرين أساسيين:

الأول قدرة البلدين على التعامل وسط واقع إقليمي صعب، حيث يتم التطرق إلى كافة الملفات بما فيها الخلافات العربية - العربية، وهو أمر عكس ارتياحا عاما لأنهما يسيران باتجاه استيعاب نتائج الأزمات وذلك بغض النظر عن المواقف السياسية لكل منهما تجاه بعض القوى الإقليمية.

الثاني الانطلاق من العلاقات الثنائية وإعادة الحيوية لها وذلك للتعبير عن المرحلة الجديدة التي يمكن أن تدفع التنسيق بينهما إلى مجال جديد، فكان لرمزية التوقيع على اتفاقية منع الازدواج الضريبي بحضور الرئيس السوري والعاهل السعودي، نوع من التأكيد على العلاقات بينهما التي لا يعبر عنها مصطلحات مثل "الدفء" أو عودة الحرارة، بل هي أيضا مجال مفتوح من جديد لرسم الأدوار الإقليمية بينهما بما يهدف الى الاستقرار في المنطقة عموما.

عمليا فإن الأجواء الإعلامية بعد الزيارة ربما بدأت تأخذ اليوم مسارا جديدا، فكان واضحا من التصريحات التي ظهرت من الجانب السوري عبر الدكتورة بثينة شعبان أن المسألة تتجاوز المواقف السياسية الخاصة لكل من دمشق والرياض، وأنهما ينظران من جديد إلى الملفات الساخنة في لبنان والعراق وحتى داخل النظام العربي لإدخالها إلى ساحة عمل وآلية سياسية مختلفة عن السابق.