ستواجه دمشق والرياض مساحة رمادية داخل الوضع الإقليمي، فالعلاقات بين البلدين لم تكن تعني توافقا أو اختلافا، إنما كانت تعبر عن توازن شرق أوسطي على الأخص بعد "عاصفة الصحراء"، ولكن الزمن الحالي ربما يختلف نوعيا فالعوامل الإقليمية تبدو متبدلة، والمعادلة القديمة لم تعد متوفرة بعد احتلال العراق.
الزيارة التي يقوم بها العاهل السعودي اليوم يراها البعض نقطة البداية لعودة الدفء في العلاقات بين البلدين، ويعتبرها معظم المحللين إشارة للتوافق داخل لبنان على الأقل بشكل يسهل تشكيل الحكومة، لكن وفي نفس الوقت فإن الملف بين البلدين يبدو مثقلا، فالمسألة ليست التوافق بقدر كونها إعادة لتشكيل الرؤية بالنسبة للأزمات التي تبدأ بلبنان وتمر بالعراق وتنتهي في فلسطين، وهذه الرؤية ستشكل "نصف الطريق" لإيجاد توازن إقليمي جديد وذلك وفق اعتبارين:
الأول يرتبط بالاختراق الأمريكي للمنطقة منذ احتلال العراق والذي أنهى بشكل أو بآخر الصيغة القديمة للتوازن الإقليمي المعتمد على ما كان يسمى بالمثلث السوري - المصري - السعودي. فالمرحلة السابقة شهدت أيضا أدوارا إضافية على هذا المثلث ولم يعد بالإمكان الحديث فقط عن توافق ثلاثي أو ثنائي لاستيعاب نتائج الأزمات على الأقل.
الثاني نتج عن الصدمات الإقليمية ونتائجها على الواقع السياسي في الشرق الأوسط، فمنذ عام 2002 شهدت المنطقة حربين الأولى في لبنان والثانية في غزة، وظهر واقع سياسي لم يعد يستوعب الكثير من التوافقات العربية التي رعتها المملكة العربية السعودية، وأهمها المبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002، فأطراف التسوية لم تعد نفسها، وحتى المعادلة على الساحة الفلسطينية تغيرت بشكل واضح.
في العلاقة التي تبدأ اليوم بين الرياض ودمشق صورة مختلفة عن نقطة الأزمة الأساسية التي يربطها البعض باغتيال رفيق الحريري، بينما يرى آخرون انها تعود إلى قرار الإدارة الأمريكية بغزو العراق، وفي كلا الحالتين فإن ما حصل هو إعادة نظر في الأدوار الإقليمية التي اختلت نتيجة "حروب كبيرة"، فمسألة احتلال العراق ليست حدثا عاديا في المنطقة، وكان مقررا لها تبديل الخارطة السياسية، وهي بالفعل كسرت المعادلة القديمة دون أن يظهر أي توازن جديد.
في المقابل فإن وجود العاهل السعودي الملك عبد الله بين عبد العزيز يقدم مؤشرات على أن المعادلة الجديدة يمكن ان تبدأ رغم تجميد الأزمات الذي اعتمدته إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لكنها في نفس الوقت تحتاج إلى مسار جديد لا يكتفي بالأدوار المتبادلة بين السعودية وسورية، بل أيضا إضافة عوامل استقرار إضافية مرتبطة بإعادة ترتيب الجبهات التي تشتت في المرحلة السابقة، وربما التركيز من جديد على مساحة الصراع مع "إسرائيل" الذي يبدو أنه نقطة لتوليد الأزمات والافتراقات.