كثرة المناورات الإسرائيلية بالدرجة الأولى تقدم مشهدا ملتبسا لاحتمالات الحرب القادمة، فرغم "الانشغال الدولي" بحروب على أطراف الشرق الأوسط، لكن "إسرائيل" لديها مشاغل أخرى مرتبطة بالدرجة الأولى بالمعادلة السياسية القائمة اليوم التي توحي بتوازن مختلف عما شهدناه طوال مراحل الصراع.
بالطبع فإن معظم المناورات التي حدثت على امتداد عامين كانت "تحاكي" حربا يمكن أن تنشب مع "سورية وحزب الله"، وكانت في بعض الأحيان تدخل طرفا ثالثا هو حركة حماس، لكن هذه السيناريوهات ترافقت أيضا مع عدد كبير من المقالات التي نشرت في الصحف الإسرائيلية حول الاهتمامات العسكرية لسورية، والمهم هنا ان التحليلات العسكرية في هذه الصحف تهمش إلى حد كبير مسألة الحروب التقليدية، في وقت يفترض فيه قادة الجيش الإسرائيلي أن حربا ربما تنشب على "طول الحدود" مع سورية!
ما تقوم به "إسرائيل" من مناورات لا يمكن فهمه على أساس أنه استعراض من أجل الردع، فهو على ما يبدو يتكرر بشكل دوري ويتضمن أهداف متشعبة بعضها متعلق ما يسمى "الجبهة الداخلية"، فعمليات توزيع أقنعة الغاز أو اختبارها هو في النهاية مرتبط بـ"الشق المدني" من أي صراع قائم، لكن هذا الأمر ينطوي على شقين:
الأول إقليمي: لأن الحديث عن "حرب" مع سورية هو في النهاية موجه لكافة القوى الإقليمية وعلى الأخص إيران، وهو مترافق مع التطورات التي تضع الملف النووي الإيراني في مهب "السيناريوهات العسكرية، وبغض النظر عن الاحتمالات العسكرية أو السياسية لهذا الملف لكن "إسرائيل" على ما يبدو تدرك أن جبهتها لم تعد محدودة جغرافيا بخط الصراع الكلاسيكي، وأن أي تطور سيفتح الباب واسعا أمام صراع إقليمي، فهي تتحدث عن السلاح النووي الإيراني وتحضر نفسها لسيناريوهات حرب مع سورية، كما تقوم بمناورات مشتركة في البحر مع الولايات المتحدة مع تقارير عن "قواعد أمريكية" يمكن أن تظهر داخلها، وفيما لو صحت هذه التقارير فإن "الوضع الإسرائيلي" سيزداد تعقيدا.
الثاني داخلي: لأن إقحام أكبر شرائح من الناس في المناورات واستخدام القوات الاحتياطية فيه يحمل عاملا تعبويا كبيرا، يُضاف إلية دخول "السياسة الإسرائيلية" إلى نقاط "اللاعودة" في مسائل أساسية مثل القدس وهضبة الجولان ويهودية الدولة، فهناك تعبئة سياسية يرافقها محاولات واضحة للاستقطاب باتجاه "تيار المستوطنين" أي نحو أقصى التطرف، ويبدو أن هذا التكتيك السياسي يعبر عن قلق سياسي نتيجة تشتت الرؤية تجاه "إسرائيل" عالميا، فرغم عمليات الدفاع عنها في الدوائر السياسية لكنها في نفس الوقت بدأت تثير إشارات استفهام كثيرة على الأخص مع انهيار عملية التسوية والحروب التي خاضتها ضد لبنان والفلسطينيين.
الاستعداد العسكري من جانب العدو الإسرائيلي يمكن فهمه اليوم على أنه تهيئة لاقتناص الفرص في أي لحظة توتر، وربما يحمل مؤشرا أيضا على أن التسوية في النهاية لا يمكن أن تقوم وفق المعادلة السياسية القائمة اليوم، بل لا بد قبل ذلك من أن تقوم "إسرائيل" بعدوان على الأقل لاسترجاع "هيبتها" في إثبات "التفوق" و "التخويف"...