مألوف التحليل السياسي الذي يتنهد كل صباح منتظرا جملة الأفكار، ويحاول استنطاق المعلومات، وعندها سيخرج السؤال: ما الفرق بين المحقق والمحلل السياسي؟ والمسألة ببساطة أن اللغة العربية متعبة من التحليلات ومن طرح الأسئلة، ومرهقة أيضا من كتابها وسياسيها، ومن الإحصاءات في نهاية العام، واللغة العربية بطبعها عاشقة ومفتونة بذاتها، لذلك فهي تكره الجملة القصيرة، وتعتقد أن أجمل نظم للشعر هو البحر الطويل، بينما المحللون يفاجئنها بالأسئلة السريعة، وبالمعلومات المقصوصة الجناح بفعل فقدان المصادر.

هذه هي الهموم التي تركض وراء "المحلل" كل صباح، وتجعله مثل قصاصة امتلأت بالكلمات المتراكبة فوق بعضها دون الوصول إلى نقطة خاصة، فالكاتب القديم صاحب القلم والسطوة انتهى مع منتصف الثمانينات، وتطور صنف جديد ليصبح مع نهاية التسعينيات نجما على الشاشات التي تذيلها كلمات خبير في....، وأمامه دقيقتان كي يضع المشاهد على رأس الكلمات، وربما سيجد نفسه في نهاية العام مجردا من أي مصطلح جديد يمكن أن يقدمه لجمهور يمر سريعا أمام الخبر ويمل البحث والقراءة من أول سطر في المقال.

لكن ما يحدث ليس عملية "طلاق" مع المحللين، وهو نوع من الهجرة التي أدمناها منذ منتصف القرن التاسع عشر، فهواة الصحف هجروا مساحاتهم وانتقلوا إلى موقع جديد، وأصبح كل واحد منهم قادر على اختراع منبره على الإنترنيت كي يصدح منه صباحا ومساء، وربما سيصبح أحد هؤلاء الخبراء الذي يظهرون على الشاشة ليضعونا أمام نصف القول وربع الحقيقة بينما تبقى المعلومة هي المجهول (س) الذي على المشاهد أن يعرفه.

والهجرة أيضا كانت صورة مختلفة لافتراق صناع القرار عن جمهورهم، وللتناقض ما بين "النخب" والرأي العام، فمن يستطيع مع نهاية العام التحدث عن قدرته في التأثير على الرأي العام! ومن هو القادر على خلق معادلة إعلامية تكون فيها الرسالة قادرة على الدخول إلى مجال الجمهور!

إنه أمر محير!!! نكتب ونقرأ وربما البعض ليس مضطرا لفعل الثانية لأنه يمتلك الحقيقة دون أن يمتلك المعرفة، لكن النتيجة واحدة، فعام يمر وسيل الكتابة يتراكم، والكثير من الحزن يتكوم على وجوهنا، ولكن العمل اليومي يستمر، ويبقى البعض مهوسا باستمرار التفكيك والبحث حتى ولو أصبح الأمر مثل "عصف الرياح"....

عام يرحل مع تحليلاته السياسية، ويأخذ معه جهدا لا نعرف هل أثمر أم بقي تائها في فضاء الورق وشبكة الإنترنيت، لكننا في النهاية مضطرون للاستمرار بحكم أن الأمر يستحق الصبر فنبش الحدث هو متعة بذاته، ومحاولة تخيل القراء أو البحث عنهم هو شأن سيستمر رغم زمن "الميديا الحديثة"... فكل عام وأنتم بخير....والمجد لسوريا