ثقافات تتشابه وتختلف أو تلتقي مثيرة فوضى في تفسير التنوع الهابط علينا، فعندما "ننسجم" على إيقاع الفضائيات نتحول نحو داخل زاوية ضيقة لعين ترقب التنوع، وتشاهد الثقافة الأمريكية" مدبلجة حتى نستطيع كسر الحاجز النفسي معها، رغم أنه "كُسر" أكثر من مرة، وتشكل في داخلنا حاجز آخر يفصل ما بين ضياع الهوية والتماهي في رؤيا الآخرين، فشاشات التلفزة كانت الأقدر على الانسجام مع حالة السكون، لأن ما يحدث خلفها يبقى بعيدا عن عالمنا، أو يقدم لنا زيف اليقين بأننا محجوبون داخل المساكن التي ينغلق فيها العالم.

وربما بالمصادفة شاهدت قناة كورية.. وبالمصادفة كنت أمام أفق جديد من التجارب الإنسانية التي لا يمكن أن تغلفني رغم انسجامي معها، فقصة المسلسلات الدرامية ستبقى ضمن زاوية العين التي تحيط بها الجدران العازلة، وتبقى نافذة واحدة تضع العالم أمامنا دون التفاعل معه، ودون التأقلم مع لغات غريبة، وربما لهذا السبب قرر تMBC القيام بالدبلجة، وإتحافنا بوجهة نظر خاصة، فنحن تعرفنا من جديد على "المحرقة" من خلال الأفلام المخصصة للعائلة، وتأقلمنا مع حالة "الحذف" العشوائي حتى للقبل، ولكننا أيضا متخمون بكل الأحاديث الجنسية، وبالعلاقات الاجتماعية المفتوحة لكنها بالنسبة للفضاء العربي تبقى محتشمة.

تنسيق فضائياتنا يشبه إلى حد بعيد كتب التراث التي تغلف الحياة بأشكال شرعية، وتستطيع أن تتحدث عن أدق التفاصيل الخاصة بحجة "لا حياء في الدين"، وبالفعل فلا حياء في الإعلام الفضائي الذي يقتحم عوالمنا تحت ستار الرقابة الكثيف، بل هناك أحيانا قلة حياء، فنحن نعرف كل أسرار المافيا التركية، وشكل أطفالنا قاموسا كنا نعتقد أنه اندثر منذ زمن من خلال كلمات عن الشرف المعلق بين سيقان الإناث.

بلا حياء أصبحنا نعرف ساسة "إسرائيل" عن قرب، وبلا حياء اعتدنا قاموسهم الإعلامي، وربما بحجة الموضوعية فإنهم يقفون على التوازي مع باقي الساسة داخل النظام العربي، وكأن الإعلام "منظومة" فضائية هدفها "نقل المعلومة" فقط، فإهدار كل هذه الأموال هو لـ"نقل المعلومة".... لكن النهاية واحدة فالتلفزة تتناسب معنا لأنها معزولة عن ردود فعلنا، وتبقينا معزولين عن عالم يتحول بعيدا عنا!!!