حتى لا يبدو الحديث عن مفتي سورية سماحة الشيخ أحمد بدر الدين حسون نوعا من تبني للمواقف، فإننا سنحاول النظر باتجاه موضوعين: الأول هو الخطاب الديني كمساحة تملك حرمة خاصة، رغم أن الخطاب بذاته ليس "دينياً"، والأمر الثاني الآلية الكلاسيكية للتعامل مع هذا الخطاب نقدا أو حتى تبنيا لما يحمله من مواقف.

ما قدمه مفتي سورية شكل خطا موازيا لخطاب آخر لا يرفض فقط رؤية الآخر، بل أيضا يضعها ضمن آلية جهادية" تجد شرعيتها في فتوى تاريخية حول داري "الحرب والإسلام"، وعندما نقول خطا مواز فلأن ما قاله المفتي لا يعني تبني سياسي لمواقف تطرحها جهات سياسية، بل خطاب ديني مرتبط بالحوار أولا وأخيرا، وسواء وصل هذا الحوار إلى نتائج ملموسة أم بقي يدور في فلك البحث "العقائدي"، لكنه في النهاية يملك هدفا واضحا يمكن أن يُبني عليه مشروع ثقافي مختلف عن المشروع الذي تبلور خلال حرب المجاهدين في أفغانستان ضد القوات السوفياتية.

ولأن ما قدمه المفتي هو مجرد تأكيد قوي لمسألة الإيمان بالديانات الأخرى فإنه لم يحمل معه أي بوادر أساسية في مسألة "التحدي" على المستوى السياسي كما يفعل الخطاب الجهادي، فإنه على ما يبدو شكل للبعض نوعا من الإحساس بالتناقض أو المعاكسة للشعور العام الذي يتماوج على إيقاع إحداث متتالية ربما كان آخرها مسألة "المآذن" في سويسرا، لذلك فإن ردود الفعل جاءت على شاكلة البحث عن رؤية جديدة يريد وضعها المفتي، او موقف سياسي يتبناه رغم أن مجمل حديثه لا يحمل أي إيقاع سياسي.

فالخطاب الديني يحاول دائما الابتعاد عن "الثقافة الاجتماعية" رغم انه جزء من مكوناتها، ويريد في مختلف المواقع الظهور وكأنه الغطاء للموضوع الثقافي وحتى السياسي، وهو ما يخلق التباسا في ما قاله المفتي حسون، لأن تأكيداته في صياغتها تعتمد على "تعبير" ثقافي غير مألوف، فهو استخدم كلمات بغض النظر عن مرجعيته متحدثا عن نفسه كفرد في مسألة إيمانه، بينما كان المفترض حسب المرجعيات النمطية أن يستخدم موقعه المعنوي ليس في مسألة "التعالي الثقافي" بل أيضا في كونه مرجعا للجميع مسلمين كانوا او أكاديميين قادمين من الولايات المتحدة، او حتى سياسيين موجودين داخل الإدارة الأمريكية، وذلك على طريقة بن لادن في رسائله إلى الرئيس الأسبق جورج بوش أو الحالي باراك أوباما.

المشكلة على ما يبدو ليست في الحملة ضد المفتي ولا حتى في ما قاله أمام الوفد الأمريكي، بل في نوعية الخطاب الديني الذي يقف عند حدود خاصة ويفرض من نفسه مرجعية تقرر ماذا يُقال ومتى يُقال.... ويحتكر "الفكر" عموما لأنه يقرر متى خرج هذا الفكر عما هو مسموح به.