دهشتي كانت من طريقة "التعرض" التي قام بها البعض ضد مفتي سورية، فبعكس الصورة التي ربما أرادها أن تصل للجميع، فإن البعض حسب أن الإساءة هي في تغيير مظهره، أو في وضعه بزي مختلف، أو حتى في اعتباره حالة "نشاز" داخل النسيج السوري، ودهشتي أيضا من "العويل" الذي يخرج على مسألة لا تحتمل التفسير بوضوحها، بينما يسكت الجميع عند فتوى تعتبر أن المرأة كي تصبح مطلقة فعلى الرجل ان ينطق بالطلاق مع لفظ القاف، أي لا يستخدم اللغة العامية!!!

دهشتي أيضا من القدرة على استخدام الإنترنيت في القضايا التي يمكن عبرها الإيحاء بأن الجمهور له رأي مخالف، وكأن مسألة تصريحات المفتي أمام الوفد الأمريكي هي حالة تستحق "التعبئة الجماهرية"، في وقت يبدو الصمت ظاهرة تكلل الجميع بعد جلسة من التقوى، قضيتنا مع الإنترنيت تبدو وكأنها صورة مبتسرة لحياتنا التي نشكل فيها قناعاتنا بشكل بعيد عن الآخرين، ثم نستغرب لماذا لا يكون الناس مثلنا تماما.

شخصيا لا أتعامل مع الفتاوى لكنني لا أستطيع الصبر على حملات منظمة لمجرد استخدام تعابير غير تقليدية؛ من قبل رجل يريده الجميع تقليديا لأبعد الحدود، ويجعلون الإيمان كأنه ميزان يمكن رؤيته، كما تصبح قضية الكفر وكأنها سلاح واحد يمكن استخدامه في كل المسائل.

ورغم اقتناعي الكامل بفصل الدين عن الدولة لكن مسألة مفتي سورية وتصريحاته ليست شأنا سياسيا، بل تدخل في عمق حرية الإيمان، ورسم شكله وفق حرية العقل القادر على تكوين القناعات بعيدا عن سيف التراث أو تسلط المرجعيات مهما كانت، فمن يشنون حملات ضد مفتي سورية يخوضون حربا مختلفة لا تستهدفه شخصيا بل تحاول أيضا إثبات ضرورة التمسك بمسألة "التفوق الديني".

نحن اليوم أمام ظاهرة جديدة في "استلاب العقل"، فالشيخ حسون لم يقدم سوى قناعات دينية وليست سياسية، وهو في النهاية يشكل نموذجه الخاص الخارج عن قاعدة التطابق مع البقية، وعندما لا نتفق معه بالرأي فإن المسألة يمكن أن تصبح حوارا وليس حرب قناعات وإيديولوجيات وتشويه يحاول التشكيك بمصداقيته أو حتى بمرجعيته الدينية.

من حقنا أن نطالب المفتي بعدم الصمت ليس لأننا متفقون معه برؤيته، بل لأن الحملة التي وجهت ضده هي حملة ضد التنوع، وهي حملة ليست بريئة وتحمل معها صورة قاتمة لما يراه البعض في وطن يجب أن ينسجم مع واقعه وأن يتعامل معه بشكل دقيق.