فكرة "رابطة الجوار العربي" التي اقترحها عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ستبقى مجال لتساؤلات مختلفة لأنها بذاتها يمكن أن تصبح فكرة خلافية، وهي أيضا تحمل معها ممكنات التحول إلى مجال سياسي أوسع يدفع عددا إضافيا من الدول إلى التعامل مع القضايا العربية، فـ"الرابطة" كتسمية ستبقى ملتبسة طالما أننا أبقيناها في إطار غير محدد، ودون تعريف واضح لوظائفها، وبغض النظر عن قبول أو رفض الدول غير العربية لهذه الفكرة، لكنها أيضا يمكن أن تطرح احتمالات متجددة لاستيعاب الأزمات.

بالطبع فإن البداية يمكن أن تكون في التوقيت، فالفكرة ليست منفصلة عن "معادلة مستحيلة" يبدو أن عمرو موسى وصل إلى قناعة بضرورة التعامل معها بشكل مختلف، فالدول الخاصة بهذه الرابطة وعلى الأخص إيران، بدت خلال الأربع سنوات الماضية وكأنها الحد الذي يفصل التجمع العربي، فمن هو مع المقاومة لا بد أن يكون مع إيران، ومن يعارض الاحتلال الأمريكي للعراق فعليه التحالف مع طهران، رغم أنها أكبر المستفيدين من الاحتلال، وفي المقابل فإن "إيران" و "تركيا" دخلتا على خط التعامل مع أزمة النظام العربي بشكل مباشر في وقت بقيت الجامعة العربية على الهامش، وتبدو المعادلة المستحيلة هنا في خلق توافق بين قدرة هاتين الدولتين على النفاذ إلى عمق "الأزمات"، والمواقف المتناقضة من دورهما الذي ينمو على حساب أدوار تاريخية لبعض الدول العربية.

وفكرة الرابطة سواء أرادها عمرو موسى أن تبدأ من هذه المعادلة، أو كان يفكر بأمر آخر، لكنها بمجرد طرحها فإنها تحاول تفكيك هذه المعادلة أو وضعها ضمن منهج تفكير مختلف عن طبيعة الخطاب السياسي السائد منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، مع إدخال العامل التركي الجديد الذي ظهر أيضا عبر انتصار تيار إسلامي مختلف نوعيا عن نظيره الإيراني.

وإذا انتقلنا جنوبا نحو أزمتي الصومال والسودان، وحاليا اليمن، فإننا سنشهد حالة مقاربة لا تختلف عن "المعادلة الشرقية" لهذه الرابطة، فإثيوبيا سواء في فترة "هيلا سلاسي" أو "هيلا ميريام" كانت الشريك الذي يتعامل مع السودان والصومال وفق إيقاع قدرته على النفاذ إلى الأزمات الموجودة فيه، فهو بحكم بعض أشكال الانتماء كان قادرا على التعامل مع أزمة جنوب السودان، أما تداخله مع القرن الإفريقي فهو يدخل في إطار تكوينه الجغرافي الذي يتطلب التوجه نحو "منفذ بحري".

عمليا فإن التعامل مع الرابطة يقدم على الأقل مؤشرين مرتبطين بالزمن الذي طرح فيهما هذا المشروع:

الأول محاول تعديل منظومة العمل العربي المشترك المتعثرة بشكل دائم، وذلك عبر "جدول" الأزمات عن صح التعبير، بحيث توضع ضمن سياق أوسع يعترف بأن التداخل الإقليمي عامل حاسم في التعامل مع هذه الأزمات.

الثاني محاولة الخروج من عملية الاستقطاب التي تشكلها هذه الأزمات داخل النظام العربي، من خلال جعل الدول الأخرى التي تشكل عاملا حاسما في هذا الاستقطاب جزءا من صلب العمل العربي.

طرح الفكرة بهذا الشكل ربما يقودنا إلى مساحات إضافية، لأن هذه الرابطة تستوعب عمليا أكثر من 90% من أزمات النظام العربي، وربما نستطيع السؤال الآن ماذا سيفعل هذا النظام في حال تشكيل هذه الرابطة؟!