لم تكن تدرك بأنها ستدخل ولو لمرة واحدة إلى "المسافة البيضاء"، فتتحدث عن نفسها وكأنها "جنية" من زمن غابر أرادت أن تتلاعب بالآخرين، وهي أيضا لم تختر يوما ترتيب السنوات حتى تصل إلى سن المراهقة ثم تتجاوزه إلى شباب كان بطيئا جدا لو لم تفجره مصادمات وجدت بشكل مفاجئ.

هي مجرد ذكرى لفتاة يمكن أن نجدها في الكتب القديمة أو الحديثة، فهناك فرادة في الحديث عنها، وفي وضعها ضمن المسار الغريب أو الطريف، فنتحدث عن كل ما يقترن بتاء التأنيث وكأنهن قادمات بشكل خارج عن المألوف، فالكاتبات والمبدعات وحتى الغانيات يخضعن لهذا "المزاج الجنسي" المحرم عليهن، فيظهرن على صفحات الجرائد او الصحف ليثبتن أن "الاستثناء" هو لإثبات القاعدة.

هناك مشهد لا يمكن أن نغيره في مسألة المزاج الجنسي، لأنه يفرض نفسه ليس في مسألة التصنيف فقط، بل أيضا في نوعية النظر للحدث الأنثوي، فعندما تبدأ الفتاة خطوتها الأولى يتم تحديد "النمط" الذي يجب أن تكون عليه، والمشكلة ليست في أن الثقافة تُهيئ الأنثى لأن تكون زوجة أو أم، بل هي أيضا تستوعب الحالات الأخرى الخارجة عن نطاق "الاعتيادي" كظواهر لا بد منها كي نستطيع التمييز بين "الأنثى الطبيعية" والأخرى التي تعبث بغض النظر عن نوعية العبث التي تمارسه.

في العالم المعاصر لم يعد هناك عبث بالكلمات، فهو نموذج قديم وتتم السيطرة عليه بشكل سريع، وأصبح من المستحيل ممارسة "التكوين الفوضوي"، لأن مسألة "النظام" بدأت وفق "الفلسفات" الحالية تعتبر أن الفوضى هي إحدى مكونات الوجود !!! في النهاية فإن مسألة "العبث" أصبحت لونا شخصيا يمكن ممارسته على الجسد أحيانا أو حتى على "أجساد" الآخرين، فترتسم ملامحه بشكل سريع في النظرات أو الضجر الذي يظهر فجأة أو حتى في الغضب الذي يتكون لمجرد العبث، لكننا ربما نشتاق أحيانا للكلمات أو حتى لوضع "مدونات" على الإنترنيت كي يصبح العبث شكلا معاصرا.

"هي" ليست محاصرة بل محكوم عليها بأن تبني الحصار بيديها, و "هي" أيضا تحمل كل التجارب معها لأنها ربما كانت وريثة "قيان بغداد" أو روائح العشق القادم من "الأندلس"، ولكنها أيضا تحمل على كتفها المزاج الجنسي الذي لن يكون بالضرورة "ذكوريا" بل حالة من "الخيال المستمر"، فتتكون مدن على إيقاعه وتغيب أجيال بينما يتشكل في أرحام النساء مزيج جديد من انتهاء التفرد، فالأنثى أو"هي" محسوبة سلفا على عصر لا يفهم من العبث سوى نماذج وتصنيفات تضع سلما يمكن أن يقدم لأي شخص صورة مسبقة للأنثى التي يراها.