هو هدوء من النمط السياسي، وهو أيضا صورة لا يمكن الهروب منها إلا بالتحليل أو الدرس أو القراءة بينما يستمر "العنف" بتكوين صورة "عراق" ما بعد الاحتلال، فما حدث ليس "شطبا" لهذه الجغرافية التي كانت دائما تشكل "احتمالا" جديدا، بل هي أيضا تغير لصورة "الاحتمالات" التي كانت تطرحها العراق كجناح في شرق المتوسط قادر على تقديم توازن قوي في معادلة مازالت تكتب حتى اللحظة.

التفجيرات المتتالية التي تشهدها العراق لا يمكن قراءتها فقط وفق "صيغة ما بعد الانتخابات"، لأنها تقدم حالة من التداخل أو خلط الأوراق، وبعثرة الاحتمالات في تتبع المجرمين، لكن الموضوع في عمقه خارج عن الحسابات السياسية، فالعراق وفق "معادلة العنف" لا يحمل معه طرف قوي أو ضعيف سواء خسر هذا الطرف الانتخابات أو ربحها، فالمشهد يجري خارج السياسة ووفق حسابات تتعامل مع خارطة لعراق يمكن عبره الدخول إلى تفكيك أي احتمالات جديدة في المنطقة، و مؤشرات العنف يمكن قراءتها بعيدا عن كل الحسابات الانتخابية، لأنها تصب في الرسم الإقليمي الذي يمكن ان يظهر.

بالطبع فإن العراقيين لا يحتاجون لمواساة جراحاهم، فالحرب على ما يبدو استمرت بطرق أخرى بعد تحديد موعد للانسحاب الأمريكي، وما يجري يمكن النظر إيه عبر نقطتين:

الأولى هي عملية "توطين" العنف، حيث لا يستطيع أحد توجيه اتهامات للاحتلال الأمريكي، لأن العمليات الإرهابية تجري على سياق سياسي يتم استبعاد الاحتلال منه، فهناك أطراف يتم طرحها وكأنها مستقلة تماما عن الاحتلال المشغول "إعلاميا" في عمليات الانسحاب أو في حربه في أفغانستان. فالعنف أو الإرهاب يتم توطنيه في العراق كحالة مستقلة ولو نظريا.

ثانيا تكريس نظرية "التوافق" وكأنها المفتاح السحري الذي يمكن عبره العبور إلى العراق، فالعنف هو نقيض التوافق وهو انعكاس لتوازن في نتائج الانتخابات دون الوصول إلى "ائتلاف" يمكن أن يشكل الحكومة، وهذا الافتراض سيبقى قائما من أجل إيجاد احتمالات قصوى للتفجير، ولجعل العراق قائم على توزان قلق يفقده القدرة على التعامل مع المنطقة أو تشكيل "جناح" قوي في المستقبل.

"الإرهاب" بقي يعصف بالعراق على امتداد سنوات الاحتلال، وبالتوازي مع حالة سياسية مستمرة وربما ضرورية لهذا "الإرهاب" الذي بدأ يشكل العامل الأساسي في رؤية العراق من الخارج، وربما في ضرورة جعله نقطة القطع الأساسية أمام أي تشكيل إقليمي، فهو الحد الذي سينشأ عنده التوازن القلق في "الشرق الأوسط" ما "بعد الجديد" أو "الكبير" أو أي من المصطلحات القادمة أو حتى المشاريع مثل الرابطة الإقليمية، فتحديد نوعية هذا "الشرق" ستمر دائما عبر "الإرباك" المستمر الذي يظهر في العراق بغض النظر عن "الانتخابات".