مهما كانت نوعية الرسائل التي يحملها الرئيس الروسي إلى دمشق فإن الزيارة بذاتها تنقل وضعا دوليا مختلفا، حيث نجد أنفسنا أمام مجموعة من "العتبات" التي تقف عندها السياسة دون الوصول إلى "إدارة واقعية" للأزمات، وهو ما يدفع للنظر من جديد إلى مسألة الدور الروسي الذي يظهر أحيانا وكأنه قادرا على التواجد في أكثر من موقع، رغم انه غير قادر بمفرده على صياغة شكله المستقل خصوصا في الشرق الأوسط حيث تتقاطع الأزمات عند حدود تقاسم الأدوار.
الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف التقى "الرئيس الإسرائيلي" قبل قدومه، بينما عاشت السياسة السورية قمة من نوع آخر في اسطنبول وما بين الحدثين لا تبدو روسيا أنها مقبلة على صياغة دورها من جديد، فهي تريد تشكيل حضور ولكن ضمن سياق يعفيها من التورط المباشر داخل الأزمات، وربما على نفس الطريقة المرتبطة بالملف النووي الإيراني فإن موسكو تبحث أكثر من أي وقت مضى عن "خفض التوتر"، لكنها في نفس الوقت تعرف ان خط الأزمات بعد الحرب الباردة لم تعد تقف في وجهه الخطوط الحمراء القديمة، وأن منطقة القوقاز باتت أكثر من أي وقت مضى متأثر بالصراعات داخل الشرق الأوسط، في نقطة الضغط الأساسية للحد من "الدور الروسي" أحيانا، وفي المقابل تشكل مساحة مفتوحة باتجاه الشرق الأوسط أحيانا أخرى.
عمليا فإن روسيا بعد الحرب الباردة تنشط على "هامش الأزمات"، فهي قادرة على الحد من تأثيرات الضغوط الأمريكية أحيانا، وهذا الأمر شهدناه في الملف النووي الإيراني، وبالنسبة لسورية فإنها تعرف طبيعة الدور الروسي ونوعية المصالح الجديدة بين البلدين، وعلى الأخص أن هذه العلاقة يتم تسليط الضوء عليها من خلال "مسائل التسلح"، بينما هي في الواقع تتجاوز هذا الأمر باتجاه موقع روسيا في عملية التوازن في الشرق الأوسط عموما، فالرئيس ميدفيديف، الذي حسب "الإعلام الإسرائيلي" يحمل معه رسالة من بيريز، تتنوع مهمته في دمشق نحو هدفين:
الأول وضع "الدور الروسي" في صلب الأزمة الحالية القائمة نتيجة الادعاءات الإسرائيلية بموضوع تسليح حزب الله، فمباحثاته مع دمشق تشكل بذاتها وضع حدود لهذه الأزمة عبر الدخول إليها وعدم تركها فقط للتصريحات الأمريكية، فالمسألة ليست "رسائل" يحملها، بل أيضا توجه روسي يتم طرحه من خلال الزيارة بذاتها.
الثاني إيجاد تقاطع جديد مع الدور الإقليمي الذي يبدو من خلال العلاقات التركية - السورية - الإيرانية وحتى القطرية، فنوعية هذه العلاقة تدفع إلى التعامل مع المنطقة وفق إمكانيات جديدة فيها على الأقل منفذا لمنطقة القوقاز، وهو منفذ يدخل ضمن الحسابات المستقبلية، فأدوار هذه الدول متباينة في الموضوع لكنها في نفس الوقت متكاملة.
"خفض التوتر" يبدو عنوانا أساسيا، لكن المصالح بين موسكو ودمشق تتشعب كثيرا، ولكنها في النهاية تبقى متأثر على الأقل في الوقت الراهن بردود الفعل الأمريكية، وحتى بالتواجد العسكري الأمريكي في المنطقة.