موطن للغرابة أو حتى لمساحة البحث عن هوية المدينة، وهي أيضا الصورة التي تستوقفني في خطوة أحاول فيها تجميع الوجوه داخل دائرة واحدة، فلـ"عمان" أكثر من لوحة يمكن رسمها بمجموعة كلمات، وفيها "التعب" الذي يضني من يحاول أن يجد منفذا داخل أحيائها، أو عبر التناقض الذي تشكل منذ أن أصبحت بلون العصر الذي يمر سريعا، فهي الوجوم احيانا، أو ضجيج الأسواق بما تعنيه تلك الكلمة من "فخامة" أو "ضخامة" تشكل اللون الذي يختصر أحيانا المدينة.
في عمان أيضا ما لا يمكن احتماله، وفي صقيع البرد أحيانا أو ضجيج الغربة التي تظهر فجأة لمجرد تذكر أن هناك "غرباء"... "أعداء".... وجوه لا يمكن احتمالها لأنها تحمل الذكرى الحاضرة دوما، ففي الطريق إلى البحر الميت ربما يشتعل الماضي أو يدفعنا للانشطار على حمى الحنين، فمنذ الفراق بقي البحر الميت نوعا من الوهم الذي يفصلنا عمن نحب، وهو الذي يحمل لنا أغنيات فيروز التي تجمع الماضي بالحاضر، فنعود إلى "جسر العودة"، ونحمل همومنا ونحن نرقب "الوجوه الكئيبة" و "الابتسامات الصفراء" التي ستبقى صفراء رغم كل ضجيج "التسوية"...
وماذا بعد في عمان؟!! هي مجرد انطباعات لمدن عديدة، ولتراكب الفرادة في "الشكل العشائري" أو انتقاله ليعيد تصنيف الحياة أو يجعل من الشوارع مناطق نفوذ نشعر بها في داخلنا دون أن يكون لحركة الحياة فيها أي أثر يمكن أن يقودنا لسر المدينة، فتلال المدينة تغفو وأتذكر ولو لوهلة بيانات عن جرائم الشرف لكنني أستشعر نوعا من "اللطف" و "اللين" يزين الفنادق في عمان ويجعلها عشقا يكتنفه الغموض....
أريد أن أغني: "أردن أرض العز أغنية الربا...." لأننا في هذه الجغرافية نملك حيويتنا رغم كل المظاهر التي شكلت عمان، ففيها خارطة للتاريخ والمستقبل، وفيها أيضا "أفق التواصل" الذي بقينا نقرأ عنه في كتب التاريخ ما بين القاهرة ودمشق،فهل صدفة أن أصبحت مساحة السياسة رمادية؟! وغدا الانتقال ما بين دمشق ثم قلعة الكرك وصولا إلى القاهرة مستحيلا.....
أسترجع مسيرة التاريخ وأحلم بمستقبل مختلف وعمان تحتضنني، وتجعلني أعيد كتابة الأيام من جديد، لكنها أيام ألمح في قسوة الوجوه فيها كبرياء خاص، ومن غرابة المدن حس الدهشة والمفاجأة، وفيها أيضا حالة الالتصاق بالحياة كـ"كل" لا يمكن تجزئته أو جعله على شاكلة "الخارطة السياسية".
في عمان هناك رواية علينا كتابتها، أو ربما علي إعادة تكوينها لأنها ستبقى في داخلي شوقا يجرفني كما العشق يلف المراهقين....