أتذكر الكتب المدرسية، وأحيانا المناهج التي قامت على "كسر التاريخ"، والتفسيرات التي أجهد المنظرون أنفسهم في إخراجها ليصبح حدث لماضي وكأنه صورة للمستقبل، فالطريق من "العروبة" إلى "المستقبل" لا يبدو مليئا بالتشويق أو الإثارة بالنسبة لأجيال "تعلمت الهوية" كمنهاج مدرسي، وهي تعيش فورة ثقافية لفضائيات "ناطقة بالعبرية" أحيانا أو بـ"الفيديو كليب"، فالمستقبل لصيق بنا بقدر ما هو غائم بالنسبة للهوية التي يمكن أن تجعلنا نبدع بثقافة خاصة للغد.

هناك بالتأكيد فسحة لا نريد الدخول إليها عندما نحاول أن نبحث عن المستقبل، وهي مليئة بالمفاجآت التي تحملها لنا صور الهوية "المبتكرة" أو التي خلقناها من جديد كي تصبح ملائمة لأجيال تبحر في ثقافة مرئية قادرة على خطف الأبصار، فأتصور تلك الهوية من جديد مغامرة للعقل والحواس، وحرية يمكن أن نتركها على هواها كي تبحر بنا خارج الجمل النمطية للماضي.

أتخيل تلك الهوية التي تترك الأجيال الشابة تتعامل مع مشاكلها لتبني تجربتها، ولتشكل "العروبة" في قرن لم نشهد فيه سوى مشاهد لانتهاك هويتنا، فهل تستطيع المؤتمرات منحنا هامش تفكير مختلف؟ أم هل تستطيع الفضائيات التوقف عن مزج "الصور العبرية" داخل الأفلام المترجمة؟ إنها الأسئلة الأولى التي يمكن أن نبدأ بها البحث عن جيل قادر على حمل العروبة نحو المستقبل على طريقته، وليس على شاكلة "الندوات" و "المحاضرات" والخلافات ما بين "عربي" و "عروبي" فالمسألة في النهاية لم تعد بيد من كتبوا عنها قبل ثلاثة عقود أو أكثر، بل هي بيد مدارس تظهر وتؤسس لجيل ناطق بالإنكليزية، ولجيل آخر يبدو غارقا في طريقة اكتساب درجات كي يستطيع متابعة تعليمه الجامعي.

في "عروبة الكتب" لم يكن هناك سوى "النص الإملائي" الذي يجد البعض صعوبة في قراءته، فتندثر اللغة تحت كلمات ربما لم تستخدم منذ القرن الرابع الهجري، وفي تلك العروبة يصبح الخيال بحجم "سطر" من كتاب التاريخ، فكيف سنصل إلى المستقبل دون أن يصبح الخيال جامحا، ودون أن يتحرر الذكر من سطوة القيم التي أصبحت جزءا من الهوية؟! ثم كيف لنا أن نحلق بتراث ثقافي ونحن عالقون بين فواصل وممرات ضيقة فيها نوع من الرمل أو التراب....

العروبة للمستقبل، وهي بالفعل يمكنها أن تعيد تكوين الثقافة... تستطيع بقليل من الحرية خارج النصوص أن تنتقل بنا إلى مغامرة مذهلة.