حتى لا يصبح "التوافق" السوري - السعودي عنوانا للتصريحات فإن علينا النظر إلى عمق هذه المعادلة التي طرحها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، فالمسألة ليست قدرا أو معجزة بقدر كونها توازنا يعبر عن "الفراغ" الذي خلقه خروج مصر من معادلة الصراع، أو انكفاء دورها الإقليمي، فالمعادلة بذاتها ظهرت بشكل مأزوم منذ اندلاع حرب السنتين في أوائل السبعينيات، وتطورت على إيقاع الحدث السياسي، والاختلال الاستراتيجي الذي ظهر بعد حرب 1973 مع اختلاف الاستراتيجيات المتبعة بين كل من القاهرة ودمشق.
عمليا فإن السعودية قامت بالدور التعويضي، وهي شاركت منذ البداية بـ"قوات الردع العربية"، وتشاركت مع سورية في أواسط الثمانينات برعاية مؤتمري لوزان وجنيف للمصالحة، لكن معادلة "س س" بقيت معبرة عن خلل إقليمي إن صح التعبير لسببين:
الأول أنها بقيت معادلة تهدئة تسعى لاستيعاب المخاطر، فهي توافقية حتى في مسألة الضغط على الأطراف، أوفي رؤية نوعية وطبيعة الاستقرار الذي يحكم لبنان، فالتوافق لم يكن يعني اتفاقا على مستقبل لبنان في معادلة الشرق الأوسط، وهو أمر يبدو طبيعيا بالنسبة للسعودية التي تملك اعتبارات بأمن الخليج، وبالتحديد بالمصالح التي تحكم تدفق النفط نحو الأسواق العالمية، ولبنان بالنسبة لها هي نقطة تقاطع الأزمات يمكن ان يؤدي لظهور قوى قادرة على التأثير إقليميا، تماما كما حدث مع صعود منظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، وحزب الله حاليا. فأي حركة داخل لبنان لا يتم التعامل معها من منطق تفاعل المجتمع اللبناني مع محيطه الإقليمي، بل من منطلق اختراق القوى الإقليمية لهذه الحركات.
بالنسبة لسورية فإن الأمر يختلف تماما، وهو لا يتعلق فقط بالتداخل الجغرافي بين البلدين بل حتى بالجغرافية- السياسية التي تبدو متشابكة أيضا وأي اختلال في طرف سيؤثر مباشرة على باقي أجزاء المعادلة، والصراع مع "إسرائيل" هو المقياس لرؤية المستقبل اللبناني.
الثاني أنها معادلة كانت خاضعة دائما لاختبارات صعبة كان آخرها ما حدث بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، فالتوافق السوري - السعودي في لبنان محكوم أيضا بعوامل عربية وإقليمية وحتى دولية، وهو ضروري دائما لكنه في نفس الوقت لا يقدم مشهدا متكاملا قادرا على حماية المنطقة من تداعيات التصعيد وعلى الأخص ما يتعلق بـ"إسرائيل".
معادلة س.. س لم تعد تتوزع عليها الأطراف اللبنانية كما في المرحلة السابقة، لكنها قائمة اليوم ويمكنها استيعاب الأزمات أو حتى دعم حالة التوافق، وهي جاءت اليوم لـ"تغلف" الأزمة الحالية، لكنها في الواقع لم تخترقها على الأقل وفق التصريحات الصادرة عن الأطراف اللبنانية، وهو ما يستدعي من جديد قراءتها مع الفراغ الذي خلفته مصر مع التذكير أن الطائف تم تطبيقه بنفس الزمن الذي ظهر فيه ما سمي "المثلث" السعودي - المصري - السوري... وللحديث بقية.