بالنسبة لطرفي المعادلة السورية - السعودية فإن مسألة الحرب الإقليمية يمكن إدراجها في سياق الاتفاق على تجنبها، وذلك مع اختلاف الاعتبارات بين الجانبين لهذا الموضوع، فبالنسبة لدمشق تبدو "الحرب الإقليمية" غير متوافقة مع الواقع الاستراتيجي السوري منذ عام 1973، وسعت سورية منذ عام 1974 إلى إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار أمرين، الأول خروج مصر من خارطة الصراع وبالتالي عدم وجود حليف عربي قادر على تقديم دعم استراتيجي يمكن أن يخلق على الأقل توازنا في نشوب الحرب.
الأمر الثاني هو "الظرف الإقليمي" فالمسألة ليست فقط تفوقا عسكريا "إسرائيليا" بل انكشاف استراتيجي حقيقي مع بدء حركة التسوية من مصر وانفجار الحرب في لبنان. هذا الأمر ازداد صعوبة في نهاية الثمانينات مع نهاية الحرب الباردة واختلال الموازين الدولية،وعندما طرحت سورية "السلام كخيار استراتيجي" فإنها كانت تعبر أيضا عن مأزق أي حرب إقليمية قادمة في ظل الحصار على العراق (قبل احتلاله) وتواجد قوات أمريكية في الخليج، فالحرب الإقليمية بالنسبة لدمشق لم تكن باهظة التكاليف فقط بل أيضا لا تتوفر فيها "شروط" سياسية تضمن على الأقل أن تكون هذه الحرب "استمرارا للسياسة".
بالنسبة للرياض فإن الأمر مختلف نوعيا، فالطفرة النفطية التي كانت إحدى نتائج حرب تشرين 1973 بدلت نوعيا من التكوين السياسي لمختلف دول الخليج، وحولت حتى نوعية "الطموح الإقليمي". هذا المشهد أوضح أن اختبار الحرب يمكن أن يدخل المعادلة الإقليمية بعد الطفرة النفطية في اختبار صعب، فدول الخليج لم تكن تمانع في تمويل حروب مختلفة وعلى الأخص الحرب العراقية - الإيرانية وحرب العصابات في أفغانستان، لكن خطر انتقال مثل هذه الحرب باتجاه منطقة الصراع العربي - الإسرائيلي سيؤثر حتى على الأدوار الإقليمية، فما حدث بعد فورة أسعار النفط لم يعمق المصالح فقط بين الولايات المتحدة والدول النفطية، بل أكد أن الحيوية السياسية مصادر الطاقة مرتبطة أيضا بالتكوين الشرق الأوسطي الذي ظهر بعد عام 1973.
عمليا فإن دمشق وجدت في المقاومة حالة ردع في ظل ظرف إقليمي صعب، ومنذ عام 1982 أصبح الرهان على المقاومة عاملا حاسما رغم أن قوات منظمة التحرير الفلسطينية خرجت بمعظمها من بيروت، فالردع الإقليمي تحول من "الجبهات" الكلاسيكية إلى حالة متحركة قادرة على تعويض عدم التوازن العسكري من جهة والحالة السياسية التي أخرجت عددا من الدول خارج دائرة الصراع.
المقاومة بالنسبة للسعودية حالة مرهقة، وهو أمر لا يتعلق بموقف الرياض منها قبولا أو رفضا، ولكن المقاومة هي العامل الوحيد الذي يهز المعادلة السياسية وربما الاجتماعية على مستوى الشرق الأوسط، وهي في صورتها الحالية سواء في لبنان أو فلسطين يصعب استيعابها على الطريقة القديمة التي استوعبت فيها الرياض منظمة التحرير.
في معادلة س..س تبدو المقاومة نقطة اختلاف استراتيجي على الأقل على المستوى النظري، لأن سورية تعتبرها جزءا من التوازن السياسي،بينما يراها الآخرون نقطة اختلال وربما اختراق لقوى إقليمية أخرى، فمعادلة س.. س لا تخضع في هذه اللحظة لاختبار لكنها تقف أيضا باتجاه "الرؤية الإستراتيجية" لأمن المنطقة، وحتى التوافق على الاستقرار أو التهدئة هو في النهاية موقف سياسي لكنه لا يمكن أن يشكل خطا يعبر عن توجه استراتيجي باتجاه المستقبل.. وللحديث بقية....