الزمن ليس كفيلا بجعل تكرار المناسبة يمر بشكل غير عادي، لأن التصريحات أو الوعود تكتسب أحيانا ملامح للمستقبل، وعندما أحاول أن أقرأ بعضا من الصور المتبقية أرى الحاضر الدائم هو الخوف الذي رسمه الصراع داخلنا، فهو ليس وهما أو مجرد حرب رسمتنا على مشهد غريب، لكنها في النهاية أعادت ترتيب ملامحنا من جديد ولونت أجسادنا بحروف لا نستطيع إزالتها.
هل كان وعد بلفور وشما سيميزنا عبر الزمن؟ ربما أستطيع كتابته على هامش المناسبة طالما أن "يهودية الدولة" بقيت المأزق الذي نقع فيه منذ أن أصبحنا نبحث في أصل "الوعد" أو الهدية الإلهية الممنوحة للآخرين على حساب بسماتنا أو ضحكتنا، فليس مهما أن يكون "وعدا" إلهيا أو "أرضا" مقدسة، ففي النهاية ستكون الحقيقة في صورتنا التي بقيت على محيط المخيمات.
والبحث عن الحقيقة سيصبح هواية تتجاوز تكذيب الرواية التاريخية"، فهي ستأخذ ملامح معاصرة، وسيتنحى بلفور جانبا لأن هناك من هو قادر على منح الوعود، والحديث عن "إنهاء الصراع"، والتكلم بشأن "يهودية الدولة" على أنه "شأن داخلي"، وكل هؤلاء لا يدوسون فقط على مساحة الحق المغتصب بل على قدرتنا الذاتية وحريتنا في رسم حلمنا المستقبلي.
ربما كان بلفور يبحث عن "ضمانات سياسية" في وقت لم يكن فيه "اللوبي اليهودي" الذي نعرفه بصورته الحالية، لكن علينا "غض الطرف" قليلا لأننا أمام خارطة لا تخص الشرق الأوسط، فهي تم تشكيلها من طريقة نظرتنا لأنفسنا، فأصبح "الوعد" تشكيلا" يدخل في خارطة الهجرة الجديدة، واللجوء إلى المحاكم الدولية أو البكاء على أعتاب السياسة.
لم نعد نفهم من الوعود إلا الكلام الإنشائي الذي يثبت مصطلحات مهشمة، ولم ندخل على ما يبدو في خارطة الحياة المستقبلية، لأن البعض مقتنع بأنه وعد يشبه الوعد الإلهي، فنتبنى التفاصيل ثم نبكي على أطلال المبادرة العربية، أو نرسم حصار غزة وحرق الزيتون في نابلس وكأنه "حدث" وليس "صورة لوجودنا"، فمنذ البداية هناك "حكاية" لا تحمل معها سوى "أشباه السياسيين" الذين يتجولون وسط العواصم معتقدين أنهم قادرون على تشكيل خارطة لنا، لكنهم في النهاية يصلون إلى الحاجز الذي يفصلنا عن زيتون فلسطين، فيأخذون نفسا عميقا قبل أن يقرروا من جديد القاء التصريحات والعودة إلى رحلتهم تجاه الغرب.
التكرار القاسي لـ"بلفور" سيبدو في بوابات المخيمات التي تروي حكاية مختلفة، وتتذكر كل الوجوه التي غادرت على أمل العودة لكنها أصبحت جزءا من التراب الذي ينساه البعض، و يصبح أملا رغم كل الوجوم الذي يلف السياسيين... أملا بأن العودة هي قدر وليست قرارا دوليا... عودة إلى مساحة مزروعة بالمستوطنات... مساحة لن تسقط من الحلم رغم تراجيديا الصراع العربي - الإسرائيلي.