ربما بقي القليل، لكن الأيام القادمة تطرح معضلة في عالم السياسية، فالمؤسسات الدولية لديها أجندة لا تتوقف، لكنها تتكاسل إعلاميا مع نهاية العام، وهي في نفس الوقت تنتظر العام القادم الذي سيؤثر بشكل أو بآخر على أجندة الإدارة الأمريكية، لكن هذا التباطؤ ربما لن يطال غزة، أو مناطق "السلطة الفلسطينية"، طالما ان لـ"إسرائيل" تقويمها الخاص، وربما حروبها التي غالبا ما تنطلق في زمن "الهدوء النسبي".

السؤال ربما يبدأ بما يدور داخل "السياسة الإسرائيلية" تجاه غزة، فقبل حكومة نتنياهو كان واضحا أن إستراتيجية التسوية تهدف إلى "عزل القطاع"، وإعادة تشكيل صورة حماس التي فازت بالانتخابات بحيث تبدو امتداد لحالة الحرب على الإرهاب، لكن لحكومة الحالية على ما يبدو أسقطت هذا الموضوع، وهي تعمل متجاوزة معضلة غزة أو صواريخها، أو حتى التعامل معها كمعضلة في عملية التسوية، وهذا الأمر لم توفره نوعية الحكومة الحالية او تطرفها، بل اعتمد أساسا على أمرين:

الأول أن السياسة العربية إجمالا أسقطت غزة من الحسابات الخاصة بها، وبالتالي فهي غير معنية بما يمكن ان يحدث مستقبلا، ورهانها قائم على الزمن الذي ربما يعيد صياغة المعادلة فيها، وحتى هذا التاريخ فهناك "حصار عربي" عبر عدم البحث في مشكلاتها.

الثاني أن الخوف من حماس لم يعد واردا في الضفة الغربية، فالسلطة حولتهم إلى "فئة" عن صح التعبير، وقوات الاحتلال لم تعد مرغمة على القيام بملاحقات يومية، وهي تقوم بالاعتقالات في فترات متباعدة بالتنسيق مع السلطة.

بعد حرب غزة (2008 - 2009) تبدلت الخيارات بشكل واضح على المستوى الإقليمي، فالمقاومة لم تعد محاصرة فقط بل خرجت أيضا من حسابات التوازن الإقليمي ولو لفترة، وهو أمر دفع "الإسرائيليين" إلى تحديد خيارات سياسية مختلفة، رغم انهم مازالوا يقومون بمناورات "تفترض" حربا على جبهة غزة، لكن الواضح أن جبهات المقاومة تولتها "أطراف عربية"، تقوم بعمليات إغراق سياسي لهذا الخيار سواء من خلال "المحكمة الدولية" الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، أو عبر "قضايا المصالحة" التي أوضحت مسيراتها افتراقا استراتيجيا أكثر من كونها مجرد خلافات "إدارية".

هل يمكن لـ"إسرائيل" تشكيل مجموعة خيارات جديدة؟ الواضح حتى الآن أن هناك تكتيك يطلع بالديموغرافيا، وهي المشكلة المزمنة بالنسبة لـ"إسرائيل"، لكن الجديد ان ما يحدث اليوم يجري على ما يبدو بتوافق في الرؤية على الأقل مادام عنوان الدولة اليهودية لم يستدعي تحركا عربيا أو استراتيجية للنظام العربي، أو حتى للسلطة الفلسطينية، لمجابهته، فهناك تفكير على ما يبدو يسعى إلى إنهاء أي تشكيل او تحرك خارج عن إطار السلطة او النظام العربي، وهو ما يستدعي إعادة تجميع الفلسطينيين من جديد، ولو كان عبر الترسفير أو غيره، والباقي هو أن يصرح أصحاب هذا الاتجاه عن سياستهم علنا!!