الكاتب : نضال الخضري

كنت استرجعها على الأقل كما قرأتها في شعر نزار قباني، فاستعدت صورة السويس التي أحفظها عن ظهر قلب، تلك المدينة المتواجدة في مساحة من الحب والحرية، ومن القدرة على رسم زمن جديد بعيدا عن "حكماء بني صهيون" وعن الصور النمطية التي جعلت معبر رفح يغطي كل الجغرافية التي احتلتها السويس.

لماذا لا استطيع رؤية مصر مجزئة؟ لماذا لا يمكنني النظر إليها إلا من زمن ينفجر ليمزج التاريخ في لحظة حاضرة؟ ولماذا لا أرها إلا في كتب عصر النهضة وفي المسائل التي شغلتنا على امتداد قرن كامل! هي لون لا يمكنني انفصال عنه وذلك بغض النظر عن كل السياسة التي تحاول فصلها عني، وهي مصر التي أرقبها رغم أنني فكريا موجودة في مدرسة أخرى، لكن الأمر يصبح نوعا من الترف إذا ما جعلنا السياسة حدا لمساحة عشقنا، أو حاولنا خنق الصورة الكلية في نقطة زمنية واحدة، ففي مصر هناك فيض تاريخي يبقى في هواء يجعلنا أحيا وانتشي وأركض كي أعانق الحلم الممتد من أيام محمد علي وحتى اللحظة.

في السياسة جذب وافتراق وفي فهم الجغرافية عشق يتصاعد في كل لحظة، وفي التحليلات او الصور التي تحملها الفضائيات قلق وأرق وشد عصبي، لكن المسألة لا تحتاج لكلمات من القرضاوي أو عمرو خالد أو حمد زويل أو حتى عمرو موسى، فمن ينشد إلى عشق مستمر ينسى أي حدث سياسي أو صور شمعية تريد البقاء على الشاشات رغم أن الزمن سبقها أو مصر بالذات تجاوزتها ليس بالأمس بل منذ زمن بعيد.

مصر هي أمل دنقل الذي رحل مبكرا لكنه زرع لنا في زمن قميء كلمات مازالت تسبح حولي:
منظر جانبي لفيروز

(وهى تطل على البحر من شرفة الفجر)

لبنان فوق الخريطة:

منظر جانبي لفيروز،..

والبندقية تدخل كل بيوت (الجنوب)

مطر النار يهطل، يثقب قلباً.. فقلبا

ويترك فوق الخريطة ثقباً.. فثقباً..

وفيروز في أغنيات الرعاة البسيطة

تستعيد المراثي لمن سقطوا في الحروب

تستعيد.. الجنوب!

ومصر في النهاية تمر من الحدث ولكن إلى مساحة القلوب التي عشقتها، أو كتبتها في كل لحظة بعيدا عن "رجال الأعمال" وعن الأقدام التي أرادت رسم صورتها بـ"العبرية".