الكاتب : نضال الخضري

أكره أن أضع ملاحظات إعجاب، لأن التعبير الذي يمكن أن أتركه عبر كلمات "مدح" تنساق وراء حالة لا علاقة لها بتلك المشاعر التي كانت تتركها نوارة نجم في لحظات صعبة داخل ميدان التحرير، فالكتابة عن "نوارة" ستسرقني باتجاه والدها بالتأكيد، أو أنني سأبحث بين آلاف المدونين والصحفيين عن نقطة مشتركة نقف عليها جميعا رغم أننا لم نلتق من قبل.

في صوت نوارة دفء خاص يدفع لمعرفة "روح مصر"، فأنتقل بين الساحات لمجرد سماع صوتها في الفضائيات، أو اطمئن لمستقبل الأجيال لأنني أعرف أن هناك "جمهور" بينه نوارة وغيرها ممن يستطيعون خلق حالة خاصة تعيد لنا الإيمان بالكلمة سواء كتبت بالعامية أو الفصحى، وسواء نشرت على صفحات الجرائد أو داخل المدونات، أو حتى تم تداولها من خلال "التويتر"، فالمسألة هي تلك الروح التي تحملها الكلمات وليس فقط نوعية الحروف ومطابقة القواعد أو حتى البحث عن عراقة الصحف في مواجهة "حداثة" المدونات.

لا أعرف هل يجمعني بنوارة حجابها، وأنا التي لم تضع على رأسها أي شيء، فأعرف أن القضية هي فيما وراء الحجاب، والقدرة على تجاوز التراث لاكتساب شخصية لا يمكن للحجاب أن يكبلها، ورغم أنني منذ الطفولة اعتبر الحجاب شأنا خاصا بـ"الكبار"، لكنه على ما يبدو يرسم اليوم "شخصية" مختلفة في عقولنا، ففي مساحة ما قدمه الشباب في مصر سيصبح الحجاب بالفعل رمزا لحالة مختلفة عن تلك التي صورتها الدراما أو الأفلام السينمائية، وسيخرج من إطار الحريات الشخصية كما يريد مناضلو الحقوق المدنية إثباته، ففي الثورة المصرية أصبح رمزا لتحول الصورة الذهنية، وقدم نموذجا على كسر الصورة النمطية لنساء المنطقة، فهن قادة ثورات ومظاهرات، وإيمانهن لا يحد من طاقة البحث عن الحرية والمساهمة في الحياة العامة.

صورة "باب الحارة" ربما غطت على "التفكير الاجتماعي" بشأن الحجاب، وفي المقابل فإن طريقة تعامل "المتحررين" مع بعض "المظاهر الاجتماعية" كان عاجزا عن اقتناص "الشخصية" الحقيقية للمواطن. فهل نحن بحاجة لقراءة تلك المسألة من جديد.

الصورة لا اقتبسها فقط من نوارة، بل من آلاف المتظاهرات ومن الشهيدات اللواتي سقطن، ومن العبارات التي كانت تحمل زخم لا يمكن تجاوزه وهو ينطلق من حناجر المتظاهرات وقدرتهن على منح حياة لمن هم موجودين في الميادين العامة.

نوارة انتقلت بنا خلال الحدث إلى كل المساحات من خلال كلمات قليلة، وكانت قادرة على منحنا الثقة بأن الحدث يسير نحو المستقبل، وأنه من الصعب تخيل اتجاه الزمن نحو نقطة أخرى غير ضوء المستقبل، ونوارة أيضا خرقت كل الصو النمطية لإناث الشرق الأوسط.. محجبات وسافرات... مدونات أو عاملات أو مربيات أو امهات... ونوارة زمن جديد.