الكاتب : نضال الخضري

اعترف أنني أصبحت مدمنة "مدونات مصرية" خلال الأسبوعين الماضيين، رغم أنني لم أكن أهتم كثيرا بحركة التدوين، كانت بالنسبة لي فقط تحديثا أضعه على مدونتي يوميا وأحيانا أسبوعيا، وأعترف أيضا أن المسألة ليست مجرد "تدوين" بالمعنى اللغوي للكلمة، لأن مثل هذه الحركة وبعيدا عن ما جرى في مصر تعيد مفهوم "شخصية الفرد" من جديد، لأنه في اللحظة التي يقرر فيها شاب أن "يدون" فإنه يضعه نفسه أمام الجميع ليس كرقم في الإحصائيات السكانية أو غيرها من الأرقام التي تدرس المجموع العام، بل فرد مؤثر ومقتنع بانه قادر على مخاطبة الآخرين بصفته الشخصية فقط.

حركة التدوين في مصر ربما لا تقاس كميا لتعداد السكان لكنها على ما يبدو نقلت نفسها من موقع لآخر، فمجرد الخروج من "صنمية" الرقم الذي تفرضه حالة النمو السكاني السريع أو تدهور الواقع المعيشي، أصبح للتدوين موقع آخر لأنه نقل شريحة اجتماعية إلى واجهة العمل بقناعاتها بغض النظر عن الشرائح الأخرى الأكبر والأوسع، وانتهى الأمر إلى أن ينضم الآخرون إلى الفعل الاجتماعي الواقعي الذي أسسته مجموعة على الساحة الافتراضية.

يبدو المهم في كل ما حصل هو نوعية القناعة الناشئة عن "جمهور المدونين"، فهم تحرروا من عقدة "الإعلام الجماهيري" بكل ما يحمله من نرجسية الظهور، واكتفوا بالقدرة على ممارسة قناعاتهم من خلال وسائل اتصال لا تستطيع وفق المقياس التقليدي كسر حالة الإعلام التقليدي، لكن هناك من التقط هذه اللحظة، وتبدو قناة الجزيرة وكأنها دخلت في تحد لكسر حاجز اللقاء ما بين التدوين وصناعة الحدث السياسي، فتغطيتها للحدث المصري ظهرت منذ اليوم الأول دون حياد، رغم أنها بقيت تتحلى بالموضوعية، لكنها أيضا حملت تلك القضية وكأنها تؤكد على نوعية الإعلام الذي يمكن أن يقتنص "التدوين" من حالة الانتشار المحلي باتجاه واقع آخر.

لكن ما فعلته قناة الجزيرة أمر يخص سياستها، والموضوع الذي بقي قائما هو ان التدوين أنتقل من حيث العمل الفردي إلى تأثير الأشخاص على مجمل الثقافة الموجودة، فالمسألة هنا ليست مجرد كلمات توضع أو تحديد للمواقف على موقع مجاني أو صفحة لمواقع التواصل الاجتماعي، بل حالة تفاعل بين الفرد ووسائل الاتصال شكلت بذاتها ظاهرة خاصة لم تطور فقط ماهرة المستخدمين في التواصل بل نقلت الحالة الافتراضية إلى ظاهرة تقدم للأجيال مخرجا عمليا على الأقل من فراغ الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية، أو حتى من شيخوخة المؤسسات التي تعبر عنها سواء كانت أحزاب أو تيارات فكرية أو منتديات اجتماعية.

المدونات المصرية تحتاج من الأجيال الأكبر سنا لجهد كي يستطيعوا رسم طريقة التفكير الذي اتبعها المدونون سواء كان شباب في العشرينيات أو في "وسط العمر"، فهذا الإصرار على مسألة التدوين تقدم مؤشرا أساسيا أنه أصبح ظاهرة لا نستطيع تجاوزها أو دمجها بالإعلام حتى ولو كان إلكترونيا، لأنها تشق نفسها وسط المجتمع كظاهرة اجتماعية تتأسس بشكل سريع.