الكاتب : نضال الخضري

ما تقوم به الفضائيات ليس بعيدا عن الساحات في الشوارع العربية، فعندما تتبنى بعض الشبكات "ثقافة كاملة" وتروجها على امتداد عقد ونصف فبالتأكيد سنشهد حالات من غعادة تكوين الثقافة بعيدا عن الترويج لـ"الهم اليهودي" و "الهولوكوسات" و "الألغام" التي يزرعها الإرهابيون!

الهم الاجتماعي الذي حملناه على امتداد سنوات كان يجول ما بين أبرز النجوم في العالم، ثم نكتشف فجأة ان علينا اقتناص الإلهام من "النموذج اليهودي"، وعلينا أيضا أن نتخلص من هواجسنا فنعلن أننا ضد الإرهاب، وأخيرا نقدم براءة ذمة فـ"أنا مسلم.. أنا ضد الإرهاب"، فما كنا نشاهده هو عملية إعلامية متكاملة لا تعبر عن ردة فعل فقط تجاه أحداث معينة، بل إعادة تكوين ثقافي يحاول أن يصورنا بمنظور مختلف، وربما اقتنعنا في بعض اللحظات أننا غير قادرون على فهم أنفسنا إلى من خلال إعلام يواكب أحدث المبتكرات في عالم التجميل واللياقة و... النماذج اليهودية.

بالتأكيد من الصعب فصل بعض العناصر الخاصة بهوليود عن "الموضوع اليهودي"، لكن المسألة ليست مؤامرة والإنتاج الأمريكي مختلط لأبعد الحدود، فهل تسعى المحطات الفضائية للاستفادة من عروض خاصة بالأفلام التي تحمل معها "صورة اليهودي المظلوم" و "العربي الإرهابي"... علينا توجيه هذا السؤال إلى الشبكات التي أغرقتنا يهذا الموضوع، ثم وضعتنا بعد ذلك في برامج الترفيه التي تملك لونا واحدا، حتى أصبحنا محشورين ما بين "أطباق المائدة" وأجساد الإناث التي تريد الحفاظ على صورتها الجميلة أمام الكاميرات التي تلاحقها.

هل كان الشباب الذين قرروا الخروج من هذا الزمن بعيدين عن هذا المشهد؟ بالتأكيد هم لم يتطرقوا لهذه المظاهر، لكنهم أيضا نتائج هذا الترويج الثقافي الذي أراد التصدي لظواهر أخرى لا تعني مجتمعاتنا، لكنه ذهب إلى حد التطرف في التعامل مع المجتمعات التي اعتبرها قادرة على استهلاك كل شيء دون أن تنتج من ذاتها ثقافة مختلفة...

الفضائيات مستعدة للتضحية بكل المعاني التي تحملها بعض الأفلام من أجل قبلة، فتظهر المشاهد وكأنها مقاطع غير متناسقة، لكنها في المقابل ترفدنا بكل الصور عن "أزمة اليهود" التاريخية، وتحدثنا عن "الإرهاب" العالمي وكأننا مسؤولون عن ولادته، وأخيرا تضعنا أمام خيارين في البرامج الترفيهية فعلينا إما ملاحقة النجوم أو مشاهدة نسخ لتلفزيون الواقع بإصدارها العربي.

هل علينا مراجعة "إعلامنا" بالكامل؟ الرسمي منه والخاص... السياسي الذي يضع وجهين يتشاجران أو الترفيهي الذي يقدم "فيديو كليب" لعالم راقص لا يكل أو يمل من اهتزاز أجساد النساء؟

ما حدث في تونس ومصر لا تتحمله أنظمة سياسية بعينها، لأنه على ما يبدو نتيجة "منظومة" ثقافية متكاملة ومتصالحة مع كل الهموم الخاصة بمجتمعاتنا، لنها في النهاية تستند إلى قدرة البترودولار على صنع المستحيل!