الكاتب : نجيب نصير

لا زلت أذكر وجهه المتعرق ذو العضلات المتوترة ارتباكا، ونحن في في أيام دراستنا الجامعية الأولى، وهو يرمق زميلاتنا في القاعة مستغربا متحيرا ممزقا لا يكاد يهدأ أو يرتاح من تعب أسمه الجنس الآخر، ما الذي جاء به إلى هنا، وهل هذه المصادفة سعيدة أم تعيسة؟ مفيدة أم ضارة؟ صحيحة أم خطيئة كبرى؟ وهو الذي لا يعرف من النساء إلا أقرب المقربات في العائلة أو الأسرة، تحاورنا في الموضوع طويلا ولكنه لم يشف من توتره هذا حتى لما بعد التخرج، عندها سافر إلى إحدى البلدان الشقيقة لجمع مبلغا جيدا من المال، وعاد ليفتتح محلا للإكسسوارات النسائية في أحد شوارع دمشق الشهيرة، ولنا جميعا أن نتخيل ماهية الحلم الذي راوده مذ اصطدم بوجود المرأة ككائن حي شريك في فعاليات الحياة، ليعود من غربته ليختار هذا النوع من العمل.

ربما رأى البعض أنني أقوم سرد لفكرة سيناريو لمسلسل تلفزيوني، ولكن في الحقيقة لا، فقد تذكرت الرجل وأنا أقرأ في إحدى الجرائد عن مسألة الاختلاط في المدارس حيث هالني أن أقرأ بعض الجمل التي تقود ولو من باب الوهم الى المصير الذي عانى منه ذلك الزميل أيام الدراسة الجامعية، حيث تبدو هذه الاستطلاعات الصحفية كمقدمة تأخذنا لمناقشة موضوع انتهى منه المجتمع إلا بعض جزر هنا وهناك، فجل الشريحة المتعلمة في بلادنا هي من خريجي المدارس المختلطة، لتبدو هذه التجربة بحاجة الى دراسة منافعها بدلا من إعادة النظر بها وكأنها استثناء اضطراري عن القاعدة فالأنثى ومنذ آلاف السنين تنزل الى الحقل كي تعمل الى جانب الذكر ولم يذكر التاريخ والتراث أن هناك مشكلة في الاختلاط ، فما (عدا مابدا) لإعادة فتح الموضوع بعد مغادرتنا العشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين؟ هل فقس المجتمع جيلا جديدا من الجهابذة العباقرة كعلماء اجتماع واكتشفوا أن كل تاريخنا من هذه الناحية خطأ بخطأ ولهذا نحن لا زلنا ننتمي الى بلدان العالم الثالث؟

فالاختلاط في المدارس كان مسألة مثلها مثل ذهاب الأنثى الى الحقل أو الى الدبكة أو تطبيب ذكر إذا كانت تعرف بالطب التقليدي، لم تكن مسألة مطروقة خصوصا في الريف السوري، فمن أين أتت هذه البدعة، وهذا الانتباه إلى ملاحظة أن التلاميذ يتألفون من ذكور وإناث؟ فالمسألة عادية برمتها، لا بل عدم الذهاب الى المدرسة هو الشاذ والمؤذي للمجتمع ، فأن يعرف الذكر الأنثى وبالعكس هو علم وتربية في آن معا ، والتشوهات الأخلاقية أو النفسية هي ما يصنعها قلة العلم وقلة التربية ، فالأنثى في عالم الذكور هي كائن أرضي طبيعي وليس مستوردا من عوالم الخيال المريض الذي يرسم صورة بذيئة للعالم في حال الاختلاط ، والعكس صحيح أيضا ، فالذكر ليس بكائن فضائي على الأنثى الإعتياد على وجوده ، والحذر من هذا الوجود ، وليس هناك من ضرورة كي يكون (مثل أخوها) لتصبح العلاقة سوية، فالأخلاق الإنسانية أرقى من ذلك بكثير، إلا إذا قررنا عدم الثقة بها كإنتاج بشري باهر.