الكاتب : نضال الخضري

أجمل ما في الحدث الحالي أنه يفتح الأسئلة، فهو ليس ثورات غير مكتملة حسب البعض بل "حقيقية" تريد بتجربتها أن تضع الأجوبة، وهي سمة جديدة تميز العالم بعض عصر المعلومات والاتصالات السريعة، بينما كانت الثورات السابقة ابتداء من الثورة البولشيفية تحمل معها الإجابات التي تريد تحقيقها من خلال "العمل الثوري"، وهذه الصورة القديمة ربما كانت حالة متقدمة في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية، لكنها اليوم وفي زمن التحولات "غير المتوقعة" فإن الأجوبة الحتمية لا وجود لها.

وفي ليبيا فغن المشهد مختلف... فنحن امام كم من الأجوبة التي يطرحها الرئيس معمر القذافي وربما نجله سيف الإسلام، وهي أجوبة لا يكذبها الواقع بل طريقة طرحها وتقديمها عبر سلسلة متكاملة من اعتماد منهج أصبح غريبا حتى على المجتمعات التي تعيش في معزل عن التطورات الخاصة بعصر الاتصالات، فهناك كم عددي مازال يراه الرئيس الليبي على أنه "كم"، بينما يظهر الحدث الليبي أن الحديث عن القبائل والتجمعات لم تعد كما في السابق، وأن المكون الثقافي موجود على صعيد الموروث وليس في "بنية الفرد".

المشكلة أن عصر الاتصالات وعلى الأخص الشبكات الاجتماعية قامت بدور لم يتوقعه "صانعوها"، فهي حلت عوضا عن المؤسسات التي تبلور شخصيات الأفراد وذلك في مجتمعات يسيطر عليها النظام الأبوي، فالفيس بوك واليوتوب ليس مجال حرية لمجتمعات تعامي من الكبت الاجتماعي، بل "تجربة" خاصة لكل فرد يستخدمه بحيث يستطيع تلقى "الرد" أو ما يسمى في الإعلام "feed back" دون وجود وسيط يتجلي أحيانا بالأب أو القيم الاجتماعية أو حتى السلطات التراثية وغيرها.

هذه التجربة التي خاضها الشباب في العالم العربي علمتهم أمرين: فأولا استطاعوا اختبار قدراتهم في بناء علاقات متباينة تعبر عنهم وليس عن رغبات الآخرين، والثاني بناء قاعدة من الاهتمامات لا تنضوي تحت قواعد صارمة ابتداء من الآراء المفردة وانتهاء بتشكيل مجموعات على الشبكة العالمية، ورغم أن هذه الشبكة ليست بالضرورة أن تتحول إلى أرض الواقع إلى "تظاهرات"، لكنها تنمي الإحساس بالذات.

بالتأكيد فإن الشريحة الأوسع من المجتمعات العربية نتيجة الأمية المعلوماتية أو الفعلية لا تستطيع التعامل مع المواقع الاجتماعية لكن من يستخدمونه تعلموا أن هذه التجربة تقدم أفراد وليس نخبا، وهؤلاء "الأفراد" موجودون أساسا في قلب المجتمع بكل قيمه لذلك فهم يؤثرون دون ان يكونا قادة أو زعامات أو حتى دون "كاريزما" ميزت نخب الماضي.

الأجيال التي تتعامل مع الإنترنيت تعرف تماما أن قضاياها شخصية ولكنها متشعبة الاهتمامات، وأنهم ووفق حالة "الشواش" يجابهون كما هائلا من المعلومات والأشخاص والممكنات وهو ما يرفع نوعية اهتماماتهم ويجعلهم أكثر حرصا على التعامل معها وفق متطلباتهم الذاتية، هذا الأمر هو الذي يجعل الأجوبة مستحيلة بل متعلقة بكل مرحلة... ثم يظهر أسئلة جديدة تحتاج لأجوبة مختلفة... جيل يحمل هواتفه النقالة وهو يشعر بأن العالم يستقر فوقه من خلال توابع صنعية واحتمالات مفتوحة لا يمكن التعامل معه كما يحدث في ليبيا... ولا يمكن أن تصبح الأجوبة مطلقة... لكن بالتأكيد فإن تجربة الأجوبة مفتوحة هي أجمل ما يحدث رغم قسوة الحدث الحالي.