الكاتب : نجيب نصير

القنوات الفضائية المصرية التي تغزوها برامج التوك شو تبدو غارقة حتى أذنيها بالحدث السعيد الذي حصل في ميدان التحرير وأسفر عما أسفر، والآن آن أوان النظر فيما أسفرت عنه الثورة، وما تسفر عنه الثورة المضادة التي أصبحت وباعتراف الكثرة أنها أمر واقع، اللافت من هذه المواضيع الكثيرة المطروحة في هذه البرامج هي فكرة التطهير، أي تطهير المؤسسات من الفاسدين، حيث ينقسم الرأي بين كل شيء أتى من العصر البائد هو فاسد وثورة مضادة، وبين أن هناك أناس شرفاء يمكن الاعتماد عليهم والخ من هذا النقاش الذي لا يصل الى شيء.

فعلى الرغم من أن الثورات عبرت عن ثورتها على الانسداد الحضاري والمدني التي تتعرض له مجتمعاتها، إلا أن الفساد والشرف لما يزالا، يعرفان بالأدوات والمفاهيم القديمة، خصوصا أن فكرة التطهير لا تحتاج الى ثورة بقدر حاجتها الى المفاهيم الحقيقية لمعاني الفساد والشرف في الأداء المؤسساتي الذي لا ينفصل عن الأداء الإجتماعي برمته. لتتحول برامج التوك شو الى باحثة عن المفاهيم غير المضللة لهذه القيم... إذ ما هو الشرف في أداء دستوري ناتج عن دستور فاسد أو يقرأ ويفسر بفساد، وما هو الفساد إلا تطبيق لقوانين ودساتير فاسدة أو تجاوزها الزمن؟؟؟

اللجوء الى مصطلح الشرف والناس الشرفاء، لمعادلة الفساد به، هو أيضا ميزان فاسد ، فالناس كلهم شرفاء إذا كانوا مواطنين، بمعنى أن القانون الواضح والعلني والذي لا يحمل استثناءات ولا يحتمل تأويلات، هو من يجعل المواطن شريفا، أو بشكل أدق أن لا يغادر شرفه، وليست الممارسة الشريفة هي ميزة أو منة أو تميز، فالممارسة العقلانية للقانون هي ما يلزم الناس بالمحافظة على شرفهم وممارساتهم الصحيحة، أما أن يتنظر العدل أو الحق أو الجمال، إنسانا شريفا كي يدعمها، فهو استثناء غير عادل أو شريف تجاه الناس التي ترعاها المؤسسات.

سمعت والكثيرين سمعوا عن رواتب رؤساء تحرير الصحف المصرية التي تتجاوز المليون جنيه في الشهر وبالقانون ودون خروج عليه، بينما القانون نفسه تمطى وخضع لمطالبات كثيرة حتى يصبح الحد الأدنى للأجور هو 400 جنيه وبالقانون أيضا، في مقارنة عقلانية بسيطة، يظهر أن الشرف ليس له علاقة بالموضوع، فالرجل الذي يقبض الملايين بالقانون هو شريف ولم يسرق ولم يتكسب، وربما صاحب الـ 400 جنيه سوف يتحول الى حرامي أو متكسب ، فمن هو الأولى بالتطهير؟

العمل الاجتماعي الوطني هو عمل مؤسساتي يعمل بالقانون، والمؤسسات لا تحتاج الى تصنيفات من قبيل شريف وفاسد كي تقوم بعملها على أكمل وجه، فالقانون العلني كفيل بمحاسبة الشريف والفاسد على قدم المساواة، وليس على الدول انتظار من أثبتوا شرفهم كي يصيروا صالحين للخدمة المؤسسية العامة، وإلا تحول الفساد الى ذهنية اجتماعية يمارسها الجميع بالبداهة، وهنا الانسداد الحضاري والمدني الذي يستدعي الثورات التي قد أو لا تفلح في استئصاله فالكلام هنا عن ذهنية عامة وليس مجرد شذوذ.