الكاتب : مازن بلال

المؤسف أن هناك لغة قديمة مزروعة فينا مهما كانت مواقعنا أو قدرتنا على التعبير، ومهما كان موقع الحدث فإننا نبدأ بالبحث عن النتائج أو حتى عن الأسباب أما ما يجري فعلا فهو يمر علينا، وننطلق في رسم السيناريوهات بشكل يؤشر على أننا نقدمها بمنطق قديم، ففي اللحظة الحاضرة هناك "تكوين" لم نألفه سابقا حتى ولو شوشت عليه "الشعارات الإعلامية" أو القوات الدولية التي تقصف ليبيا، أو حتى درع الجزيرة الذي استيقظ فجأة، فهناك بنية نختبرها تلامس مفهوم الشرق الأوسط دون استثناء، وهي تسربت إلى الأراضي الفلسطينية، وليس حتى "إسرائيل" بمعزل عنها.

وعندما نتحدث عن بنية فإن علينا فهم الحدث بمنطق نجربه اليوم فقط، وعلينا تذكر أن "مفهوم الشرق الأوسط" لم يتبلور اصطلاحا فقط بل خلف جغرافية - سياسية صمدت على امتداد حربين عالميتين، وتجاوزت مرحلة الثنائية القطبية الدولية ودخلت الزمن الجديد على إيقاع احتلال العراق، فهذا "المفهوم" كان يتأقلم مع الحدث ويطور علاقاته الداخلية حتى في مراحل عسكرية عنيفة كما حدث منذ عام 2001 وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول، فما الذي يحدث له اليوم؟ وهل هو عاجز عن استكمال عملية بناء ذاته توافقا مع "مرحلة الثورات"؟

في البيولوجيا هناك حديث عن "الطفرات" التي تبقى آلياتها مجال جدل ونظريات، وقياسا إن "صح القياس" فإن الجغرافية تشهد أحيانا عاصفة في "الجغرافية - السياسية" تغير من المشهد ومن طرق التفكير أو حتى من المنطق، ويصبح "الخطاب السياسي" أو "الإعلامي" غير مقنع مهما كان طرفه، وينتقل المجتمع من خلال هذه العاصفة إلى موقع خطر يذكرنا بالثورات القومية في أوروبا أو أقدم من ذلك بمراحل انتشار الديانات الكبرى التي حملت معها انقلابا ثقافيا حادا.

هل يمكن وصف ما يجري في الشرق الأوسط بهذا الشكل؟ ربما، لكن المهم أن الحدث بذاته يحمل قلقا وعدم قدرة على تقدير الموقف من "الزوايا القديمة"، فحتى لو استطعنا استشراف التداعيات لكننا غير قادرين على التكهن بالآليات لأنها تفاجئنا وتضعنا بشكل مباشر باتجاه الاستحقاقات المستقبلية، وبالتأكيد فإن البحث في المستقبل لا يشكل حلا استباقيا بقدر كونه محاولة لدفع الجغرافية - السياسية كي تعيد بناء نفسها من جديد بشكل يتوافق مع مصالح المجتمع.

لا أحد يستطيع أن يدعي امتلاكه للسيناريو المستقبلي، على الأخص أن عاصفة "الجغرافية - السياسية" متنقلة وتخلق تداعيات مختلفة من بلد لآخر، ومظهر الشرق الأوسط من داخل كل مجتمع على حده يعطي احتمالات متعددة، لكن الشأن الأكيد أن تفاصيل الحدث لم يعد ممكن نقلها بنفس اللغة او المصطلحات، وأن "الرواية" لأي ثورة تحتاج لمنطق مستقبلي جديد.