دمشق - مازن بلال

تفاوت أرقام من سقطوا في درعا بقي العنوان الرئيسي لأحداث أمس، فالرواية الرسمية تحدثت عن سقوط 19 من رجال الأمن، بينما اختلفت أرقام "شهود العيان" من منطقة درعا واستقرت على الرقم 27، في وقت بث التلفزيون السوري مشاهد لمسلحين يطلقون النار من أعلى أحد الجسور، وهذه الصورة الدامية قابلتها تظاهرات سارت دون أحداث تذكر في دوما واللاذقية ومناطق الشمال الشرقي لسورية، وباستثناء مدينة حمص ومحيطها فإن أحداث يوم الجمعة شكلت امتدادا لحراك مختلف اتفق على العناوين.

وفي منطقة داريا سارت "المظاهرة" بشكل عادي واتجهت نحو "المعضمية" ثم عادت أدراجها دون أي احتكاك مع رجال الأمن، في وقت كانت مناطق مثل عامودا والقامشلي واللاذقية وطرطوس وبانياس تشهد مظاهر مشابهة، بينما تحول المشهد في حمص إلى حالة من العنف وخصوصا في ضواحي المدينة التي شهدت إضافة لإطلاق النار عمليات تخريب طالت مقر حزب البعث، ورغم وضوح بعض الشعارات التي أطلقت والمرتبطة أساسا بمسألة الحريات مثل إلغاء قانون الطوارئ، لكن الإيقاع العام لتلك التظاهرات لا يحمل مؤشرا على تماسكها في برنامج واحد، وهو ما يفسر طبيعتها العنيفة في بعض المناطق وعلى الأخص درعا، وبقاؤها ضمن سقف من المطالب في أماكن أخرى.

والتوقف قليلا عن التظاهرات السلمية فقط يضعنا أمام السؤال الصعب المرتبط بنوعية الإصلاحات المطلوبة، وهي نفسها التي أعلنت عنها الدولة سواء لجهة إلغاء قانون الطوارئ أو سن قانون للأحزاب أو حتى محاربة الفساد، فالسوريون الأكراد تظاهروا أمس رغم صدور المرسوم الخاص بالتجنيس، والعمل حول إلغاء حالة الطوارئ لم يبدد من الشكوك بشأنه بدليل أن الشعارات بقيت نفسها، ورغم أن بعضا من الناشطين الذين ظهروا على الفضائيات تحدثوا عن مسألة "الوعود" وأنها قدمت سابقا، فإن الأمر لا يرتبط بعدم ثقة الناس بأن حالة الطوارئ ستنتهي قريبا، بل ربما برزمة الإصلاحات التي طرحت فهي تستجيب للعناوين العريضة التي تم رفعها سابقا، لكنها لم تستطع إيقاف ظاهرة "يوم الجمعة"، ومن الممكن الإشارة هنا إلى نقطتين:

الأولى أن الدولة قدمت مجموعة إجراءات حاسمة وبدأت بتطبيقها، وتتالت بعض المراسيم والقوانين التي توحي بجدية التعامل مع الموضوع، لكن حزمة الإصلاحات منذ ان طرحتها الدكتورة بثينة شعبان قبل أسبوعين تقريبا لم "تُطرح" وفق رؤية كاملة فهي أولا تحدثت عن جملة قوانين ستتوالى بشكل سريع، ومن جانب آخر طرحتها بأولوية اقتصادية فبدأت بمسألة الأجور والمعاشات وانتهت بالإجراءات السياسية، وهنا فإن الأمر لا يتعلق بالأولويات بل "الرؤية السياسية" التي ستحملها مجمل الإصلاحات، وهنا فنحن لا ندعي أن القيادة السياسية لا تملك رؤية لكنها لم تطرحها عندما قدمت للشعب جملة الإصلاحات التي ستتم بشكل سريع، وما حدث أن الرسالة وصلت بشكل متفاوت، وربما تعكس جولات الكاميرا للتلفزيون السورية حجم هذا التفاوت الذي جعل هذه الجولات وكأنها "صندوق شكاوى" للمواطنين، في المقابل برز جانب آخر يتحدث عن طبيعة الإصلاحات السياسية تحديدا ولو بشكل سريع.

الثانية أن خارطة الاحتجاجات هي خارج الضوء فهناك تسليط للضوء على الاحتجاج دون قراءة توذع هذه الاحتجاجات، فلماذا لم تظهر في حلب أو دمشق أو أدلب أو حماه بنفس إيقاع باقي المناطق؟ ولماذا يتوزع العنف مهما كان مصدره في مدن بينما تشير "التظاهرات" في أماكن أخرى، وهذه الأسئلة برسم المجتمع وليس الدولة فقط، لأننا في النهاية أمام تفاوت يختلف عن أي نموذج سابق سوري أو عربي، وهو ما يدفع للقلق عموما داخل المجتمع، ويطرح تساؤلات أكثر وربما أوسع من مسألة "المطالب" أو الإجراءات الحكومية.

وفق الشكل الحالي للظاهرة التي تحدث يوم الجمعة هناك "استنزاف" و "إنهاك" في نفس الوقت، فالاستنزاف يطال المطالب بحيث لا تستطيع أن تصل إلى بلورة رؤية، أما الإنهاك فهو يصل إلى الجميع سواء المؤسسات الخاصة بالدولة أو حتى المجتمع الذي يرى نفسه أمام صورة غير واضحة وصراع بين الروايات دون معرفة واضحة لحقيقة الحراك الحقيقي الذي يجري على الأرض نتيجة التفاوت في مسألة الاحتجاج.