الكاتب : مازن بلال

المسألة ليس قلقا من "التظاهرات" أو تحسبا من اعمال عنف، لأن الأمرين يمكن توقعهما بعد أسابيع حرجة مرت بها سورية، لكن القضية الأساسية عدم في عدم المراهنة على الوقت فقط، فالحديث عن "الجمعة" أصبح في النهاية يشكل تقويما تبدأ منه أسبوعا جديدا في المشهد السوري الحساس، وربما يصبح "الوقت" رهانا حقيقيا ليس فقط في مسألة السباق ما بين الإصلاح والاحتجاج بل أيضا في اعتماد تجاوز الأزمة أو تحقيق مكاسب على "الزمن فقط، فالقراءة الأولية لا تعطي فقط "تباطؤا" في الإصلاحات حسب بعض التحليلات بل تحمل أيضا رغبة من "المتظاهرين" في إطالة زمن الاحتجاجات على اعتبار أنه الوحيد القادر على استمالة مساحة أكبر داخل المجتمع السوري.

لكن الرهان الوقت يعطينا أيضا أشكالا من الخطاب السياسي على الأخص من قبل "النشطاء" الذين يتحدثون إلى القنوات الفضائية، أو حتى من اللذين يصعدون لهجتهم داخل الصحف معبرين عن موقف واضح وصريح ينحاز إلى جانب "المتظاهرين"، فنحن أمام محاولة لتعبئة "الفراغ السياسي" لهم بتوجه فكري يأخذ منحى التحول النهائي في الشكل السياسي لسورية، فالمسألة هنا هي انتقال من الاعتراض على التعبير السياسي والديمقراطي باتجاه قفزة تاريخية أقل ما ما يمكن تصوره من خلالها هي إعادة الانطلاق من مراحل سابقة بدأت مع ستينيات القرن الماضي، فالتاريخ السياسي لسورية هن يتم تجزئته وربما إزاحة كل رموزه والاعتقاد بأنه يمكن البدء من النقطة السابقة أو القديمة.

ألا يشبه هذا الخطاب كل أشكال التفكير التراثي التي تريد العودة إلى نقطة زمنية سابقة والبدء منها؟ هذا الخلل لن يدفعنا فقط للتفكير بتيار سلفي أو غيره، بل بالبحث عن جملة المؤسسات السياسية القائمة حاليا وربما عجزها عن إيجاد مخرج نظري على الأقل، فلا يعقل أن أربعة عقود مرت وكأنها مجرد فراغ لم تؤثر على البُنى الاجتماعية أو حتى الثقافية في سورية، وطريقة الخطاب التي نشهدها اليوم ليست إلغائية فقط بل هي أيضا تريد فرض موقفها بغض النظر عن التكوين السوري العام سواء كان صاحب موقف سياسي أم مجرد مواطن يريد ممارسة حقوقه وواجباته.

وحتى لا ندخل في مساحات من الاتهامات للمتظاهرين أو لأجهزة الدولة فإننا نحاول أن نضع المشهد كما هو، فهناك مطالب وإصلاحات وربما ظرف تاريخي جعل من الرفض المتبادل أمر واقعي، ولكن المحتجين في النهاية بنقلون خطابهم وفق هذا الرفض، رغم أنهم بدؤوا خارج دائرة الرافضين أو المعارضين وانطلقوا من واقع وحاولوا إيجاد آليات، والسؤال لماذا بتجه إيقاعهم باتجاه واحد؟ هذا السؤال ربما لا نستطيع توجيهه لأي مواطن يتظاهر أو بقي خارج هذا الأمر ولا حتى للدولة لأن مسؤولية مشتركة يجب أن تبدأ بالظهور وبالانطلاق، لأن الغاية هو مصلحة سورية وليست غلبة طرف على آخر... هل نتحدث بحكمة الشيوخ؟! ربما... لكنه دور علينا التعامل معه حتى ولو لم يرضي أحد.