الكاتب : نجيب نصير

في هذه الأجواء السورية المشحونة، نبدو كمن أصبنا بعجز ثقافي طاحن، فلا إصغاء من جهة، ولا كلام يستحق السماع من جهة أخرى، وكأن هناك من جرد الحوار من أهليته ليصبح حوارا .

لا نريد كليب حيا كما يطلب الزير من قبائل داحس والغبراء، فالثقافة هي الحامل الحقيقي للجدل الاجتماعي الدائم، وعليها يعول للحصول على هذا الجدل ونتائجه، دون الولوج الى تلك الطرق الفرعية المحملة بالغضب والدم اللذان يعميان البصر والبصيرة معا ، اليوم نحتاج الى أحسن ما في ثقافتنا الاجتماعية، وإلى أحسن ما في معرفتنا، وإلى أحسن ما في خبراتنا، لنوظفها في رؤية الواقع المترهل لهذه الثقافة، والتي تخرج أسوأ ما فينا، ذلك الفراغ الهائل الذي يبتلع كل جدوى من الفعل الإنساني.

القوة والغضب لن تملأ هذا الفراغ الثقافي المترامي، حيث يسهل العبث والتعابث بتكلفة هائلة، ومع أن الخطأ واضح والصواب واضح، إلا أننا نلجأ ثقافيا الى تهويم تكتيكي مؤقت لا يلبس أن يتحول إستراتيجيا ودائما ، عبر عبثية البوصلة الثقافية التي وجدت من وفي هذا الفراغ الذي يتحول الى عجز، لا تطيقه لا العقول ولا الروح البشرية المفطورة (جدلا) على الخير.

هل نحصد اليوم ما أهملناه طويلا؟ تلك القيلولة الثقافية التي استطالت (مطنشة) استحقاقات الحياة المرتقية والمتغيرة في كل أوان وحقبة؟ وهل علينا الاستسلام لمفاعيل هذه القيلولة والبكاء على أطلالها؟ أم نهم بمعاودة زراعة ثقافة جديدة ومتجددة يعيننا حصادها الأبيض على الأيام السوداء؟

يبدو أنه لا حل ماثل بالأفق، إلا في معاودة العمل من جديد على إنتاج ثقافة، ذات قيمة معرفية متناسبة مع متطلبات الزمن، حيث يمكن النظر الى المستقبل بخط مستقيم بعين الآمان، دون الولوج الى طرق التفافية تؤجل الأسئلة الملحة إلى أوقات العجز الثقافي .

أن نظهر كمجتمع أحسن ما فينا هو شأن ثقافي بامتياز، وخسارة الرهان على الثقافة المجتمعية في لحظات الحاجة إليها، يبدو مكلفا وفوريا، فهذا استحقاق لا يمكن تأجيله في هكذا لحظات.

أرجو أن لا نخسر رهاننا على ثقافتنا الاجتماعية، حتى مع قيلولتها المستطالة.. فهي ضمانة الولادة والوجود والاستمرار.