الكاتب : نضال الخضري

مشاهدات يوم الجمعة تحمل نوعا من الغرائبية، لأنها تعبر عن حركة تصاعدية تبدأ من مساء الخميس وتتجه نحو غروب شمس يوم الجمعة، ففي سورية كل شيء ممكن: مشاهدة الراغبين بالتنزه في حديقة تشرين داخل دمشق، أو مراقبة "المتظاهرين" القادمين إلى منطقة الميدان أو تقديم صورة مختلفة عن "جغرافية الاحتجاج"، لكن القضية ليست في تلك الصور التي تبدو لوهلة متناقضة، بل أيضا في احتمالات ظهور ما هو غير متوقع على شاشات التلفزة كمظاهرة في منطقة القدم لا أعرف نوعية من يقودها وهو عاري الصدر وبشكل يدفع للرعب أكثر من كون ما جرى مجرد تظاهرة.

المشهد غير متناقض ما بين حشد يريد التظاهر ومجموعة ترغب في الجلوس تحت شجرة ظهرت أزهارها، لأن خط الحياة بين النقيضين هو واحد، ففي "التظاهرة" إن صح هذا التعبير أكثر من مجرد تمرد فهو وفق مشاهدتي يحمل طابعا "استعراضيا"، فمن يتصدر لقيادة أي مجموعة بات يعرف تماما أنه مرصود إعلاميا، وهذا الأمر لم يؤثر فقط على سلوك رجال الأمن حسب بعض الفضائيات بل وعلى المحتجين أيضا الذين قفزوا دفعة واحدة من التعبير عن مطالب سياسية أو اقتصادية أو غيرها، إلى شخصيات اعتبارية على الشاشات تمتاز بـ"الحماس" و "الجرأة" وصولا إلى كسر حاجز الخوف حسب بعض المصطلحات السائدة حاليا.

بالتأكيد لا أريد التقليل من مشاعر من يريد التظاهر، أو يحمل معه دوافع لتغير واقعه، لكن الثورات التي تُقاد داخل الاستوديوهات مسؤولة بالدرجة الأولى عن تداخل ظاهرة الاحتجاج مع غيرها من عوامل "الاستعراض" أو "الوهم" الذي يمكن أن يرفع المواطن إلى مرتبة "بطل" ولكن على الشاشات فقط.

هناك هوس سينمائي أو ربما درامي في بعض ما يجري، فشوارع سورية ليست مناطق في غزة، لكن الصور الملتقطة أحيانا تتشابه إلى حد التطابق، وفي المقابل يظهر البعض وكأنهم شخصيات من المسلسلات السورية التي مجدت أنواع الصراع الزائف، فأصبحت "الحارات" مناطق لها خصوصيتها وخطوطها الحمر وربما رموزها، ومرة أخرى هناك العديد من التظاهرات التي لا تملك أي طابع استعراضي، لكنني أتحدث فقط عن المشاهد التي يتم تكرارها في نشرات الأخبار.

يمضي يوم الجمعة ثقيلا... لكنه في نفس الوقت يثبت تلك الصور التي لا يمكن أن تمر دون أن تترك أفكارا نحتاجها من أجل المستقبل، فإذا كان الشارع على ضيقه "حكما"، فهو يحمل معه العدد الأكبر من المواطنين الذين لا تمنعهم رغبتهم في "الجمال" و "الحب" من القدرة على التواصل وربما الفعل حتى ولو نظروا بشكل مقلق لأي تظاهرة تخرج.