الكاتب : نضال الخضري

هل كانت مفاجأة... بالتأكيد فإن أي يوم جمعة يمكن أن ينسحب فيه المعقول مع الهلوسة مع قدرات أبطال الفيس بوك على إقحام نفسهم، رغم أن لا أحد يستيطع الادعاء بأنه قادر على تفكيك ما يحدث بشكل دقيق، لكن الجديد هو القدرة على الخروج في عز الظهيرة وتحت الشمس الحارقة، وفي المقابل القدرة على التواجد عبر مكالمات "شهود العيان" في محطات فضائية، والبكاء لمدة تزيد على ساعتين!!!

لا تستغربوا فالمسألة ليس مع أو ضد الاحتجاج، بل هي صورة إعلامية فريدة لشاهد كان قادرا على التحدث من حماه مرتين على الأقل، ولإيقاع البكاء بقي نفسه من الشارع ومن المستشفى.. كيف؟! هذه قصة أخرى لكنه بالتأكيد كان موجودا بمشاعره على الأقل في "ساحات الوغى".. ربما ليس من وظيفة الإعلام السخرية على بعض الأخبار لكن القرار الإعلامي على ما يبدو أصبح قادرا على استفزازنا بشكل غريب، في وقت يصبح فيه "حرق الأعصاب" هواية للمحتجين وللفضائيات في آن.

أن يخرج عشرة آلاف متظاهر من ريف حماه وربما حماه نفسها حسب التلفزيون السوري فهو أمر غير مسبوق، لأن معظم التظاهرات ووسط حرب الأرقام لم تصل إلى هذا العدد، لكن السؤال هنا ليس في عدد من سقطوا أو في تضارب الأنباء الذي تحترفه الوكالات والمنظمات الحقوقية، بل في العمق السياسي الذي تحمله مثل هذه التحركات، فهل هي ردود فعل على ما جرى في مسألة الحوار؟ أم انها تسير على نفس السياق الذي سارت عليه "التظاهرات" السابقة وعلى الأخص في حمص لتنتهي إلى أعمال شغب؟

أسئلة برسم السياسة وربما الحراك السياسي، وهي أيضا إشارات استفهام حول المغزى الحقيقي من نوعية الحراك الذي يبدو في الاحتجاجات، فنحن أمام ظاهرة غير مسبوقة عندما نشهد اضطرابا يضمحل فيه الحراك السياسي ويتوسع فيه دائرة الفوضى التي تطلق شعارات دون أن تقدم معها أي برنامج سياسي... لسنا معنيين بمن هو المسؤول لأن القضية أصبحت تعبر عن "أزمة اجتماعية" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأصبحت معها حركة الاحتجاج نوع من "الشوشرة" التي تبدو على سطح وكأنها غاية إعلامية بذاتها.

هل ترك للشعب السوري لحظة تفكير واحدة؟! هناك تحليلات ومقالات ودعوات افتراضية، وهناك لدى البعض قناعات بأن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تحل بديلا لمؤسسات المجتمع المدني، ولكن هل تجربة الشهرين الماضيين قدمت قناعات بهذا الخصوص، وهل استطاعت الساحة الافتراضية خلق إرادة عامة مهما كان نوع هذه الإرادة؟!

هناك شكوك حقيقية في فاعلية التعامل فقط مع مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك شكوك اخرى بشأن المساحة السياسية التي تتركها حركة الاحتجاج يوم الجمعة بالذات، وهناك أيضا نوع من التشويش نتيجة الاعتماد على عملية الاختباء وراء الكلمات السريعة التي تسجل موقفا على الفيس بوك دون أن تتعمق في الحلول المطروحة وقدرتها على السير بالحياة السياسية إلى مكان واضح، وفي النهاية فإن "عز الظهيرة" ربما يرفع من حرارة الطقس ولكنه في المقابل يذكرنا بأن فصلا كاملا انقضى ومازلنا على نفس الآلية...