الكاتب : مازن بلال

الموضوع يتجاوز فوز حزب العدالة والتنمية التركي، أو حتى ما يسميه البعض بـ"العثمانية الجديدة"، لأن مسألة الدور التركي لم تحسم بعد ويبدو أن "عمر" هذا الدور في الأزمات لا يتجاوز مرحلة احتلال العراق، لكن هذه السياسة دخلت عمليا في عمق الأزمة السورية، فالظاهرة التي يمكن النظر إليها هي التطور نحو سياق "عمليات إعلامية"، ليس فقط من قبل تركية بل قنوات أخرى تحاول وضع إشارات الاستفهام حول مواقف أنقرة التي ظهرت مع اندلاع الأحداث في ليبيا وليس فقط في سورية.

ما يهمنا ليس البحث فقط في طبيعة الحدث بذاته، لأن تفاصيل ما حدث في سورية ربما تأخذ منحى مركب، أو حتى مختلط ما بين البحث عن توازن إقليمي واضطراب واضح في الحركة الاجتماعية، فالمسألة التي يمكن توصيفها بـ"الاحتجاج" هي ظاهرة معقدة لا يصح معها الحديث فقط عن "مؤامرة" أو "تظاهرة"، فعزل بعض العوامل ربما يساعد لفهم الحركة التركية على الأقل وربما أيضا موقع الحدث السوري من مسألة "الدور التركي" المرتقب، على الأخص اننا اعتدنا في خطابنا السياسي الحديث عن أدوار إيرانية أو سعودية أو حتى مصرية، وكأنها ظواهر غريبة في وقت تبدو أنها احتكاك طبيعي في مسار الحدث الإقليمي.

عندما نتحدث عن دور فإننا نحاول تلمس موقع الدولة في مسألة التوازن الإقليمي، وليس فقط البحث عن عملية "احتكاك المصالح" ما بين دول المنطقة، ونتحدث أيضا عن مجموعات تاريخية تركية أو إيرانية وليس فقط قوى صاعدة بفعل العوامل الاقتصادية، البترول تحديدا، وما يربط هذا الأمر من إستراتيجية دولية، ومن هذه الزاوية تحديدا ظهر رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، مزهوا بنصره في الانتخابات "فارضا" هذا النصر على "المدن التاريخية" التي كانت تدخل في اعتبار "السلطنة العثمانية من القدس باتجاه سيراييفو، لكننا نشير هنا إلى موضوعين:

الأول أن هذا النصر التركي لا يحمل فقط "زهوا ذاتيا" بل أيضا محاولة التعبير عن "فرادة" في الحدث من خلال صعود حزب ديني عبر صناديق الاقتراع، فالمسألة بالنسبة للعدالة والتنمية هي نجاح "الإصلاح الديني" المتعثر منذ زمن الخلافة العثمانية، وهو ما دفع الشعور عند العدالة والتنمية بأنه يقوم بعمل "رائد"، على الأخص ان المنطقة عانت من صراع ثقافي بهذا الخصوص نتج عنه احزاب دينية كثيرة دخلت في صدام مباشر مع السلطة السياسية، فالعدالة والتنمية أوجد "الخلافة السياسية" إن صح التعبير، ومن هنا يرى نموذجه ممتدا ما بين القدس وسراييفو.

الثاني هي ان العلاقة بين فوز العدالة والتنمية والحدث السوري لا تبدو في حالة تشابك، فقبل الفوز كان هناك نوع من النظر إلى القاعدة الإستراتيجية التركية التي تشكل سورية إحدى دوائرها، فالمسألة لم تكن نصائح يتم توجيهها بل مسار سياسي ربما يرى فيه العدالة والتنمية شركاء إضافيين داخل السياسة السورية الداخلية، ومهما تم البحث عن مخرج للرؤية التركية تفصلها عن مؤتمرين حدثا على أراضيها ومتعلقين بالحدث السوري فإننا في النهاية نجد أنفسنا أمام تكوين يحتضن أطرافا من المعارضة، بل ربما أكثر من ذلك يحاول ان يجد لهم موقعا سياسيا داخل التكوين السوري.

للعدالة والتنمية الحق في البحث عن مصالحه، لكنه في المقابل ينطلق تجاه سورية من افتراض مسبق في مسألة الصراع القائم، لأن ما يعتبر إنجازا داخل بلاده جاء على قاعدة من التجارب السياسية التي ولدت في ظل علمانية للدولة، في المقابل فإن البحث في عمق السياسة الداخلية السورية هو امر سيخل من التوازن الإقليمي الذي ظهر مع تصاعد القوة التركية في ظل حزب العدالة والتنمية، فنحن نتحدث عن تفاهمات إقليمية حدثت مباشرة بعد احتلال العراق، أي أنها أوجدت مساحة سياسية لاستيعاب النتائج التي أدى إليها الاحتلال، وربما منعا من تقسيمه أو محاصرة نتائجه، وكانت إيران جزءا من هذا التكوين، وربما بنت سورية آمالا متعددة حول هذا الشكل الإقليمي، فهل العدالة والتنمية متأكدة من النتائج التي يمكن أن تظهر نتيجة الخروج من هذا التوازن وإعادة رسمه من جديد؟

هذا السؤال مطروح اليوم بقوة على الأخص أن بعض الافتراضات التي يقوم عليها التوجه التركي هو مسألة "الفراغ السياسي" الذي يمكن أن يحدث في سورية نتيجة الاضطراب، لكن الأمر أكثر تعقيدا لأننا أيضا نتعامل مع جغرافية لها تاريخها وتجاربها وربما مساحة احتكاكها مع انهيار السلطنة العثمانية.