مهما كان مستقبل سورية فإن نوعية وحجم المؤتمرات التي انعقدت في تركيا ستؤسس لعلاقة مختلفة بين البلدين، والمسألة تبدو أكثر من دور تركي في ظل ما يطلق عليه "الربيع العربي"، لأن تجميع المعارضة مهما كان نوعها أو أهدافها سيشكل في النهاية خط توتر على دمشق التعامل معه بشكل مختلف مستقبلا، فاستقطاب المعارضة بذاته يشكل "مهام" تركية يتم اختبارها اليوم عبر الأزمة السورية، ومن الممكن استكمال هذه المهام عبر الجبهة التركية الطويلة مع كل من العراق أو إيران.
ما تقوم به تركية اليوم ربما يحاكي المزاج السوري المعارض، لكنه يذكرنا في نفس الوقت بالعلاقة السورية اللبنانية ما بين خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث كانت بيروت "تحاكي" أيضا المزاج السوري المعارض، وفي نفس الوقت تحاول السياسة الرسمية الابتعاد ولو ضمنيا عن سير هذه الحركة، لكن النتيجة في النهاية مثلت انتقال ثقل القرار السياسي إلى خارج سورية، فهل كانت مثل هذه الأدوار ناحجة في القرن الماضية وهل يمكن أن تتجدد اليوم؟
بالتأكيد الثقل التركي لا يمكن مقارنته بأي دور لعبته بيروت كجغرافية لاستقطاب المعارضة السياسية، فأنقرة متسلحة أولا بمشروع سياسي ضخم يدمج الإسلام السياسي في الرؤية "الأتاتوركية" العلمانية، وهذا الأمر ربما يشكل طموحا واضحا حتى بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، والملاحظ أأن الوجوه الأكثر حضورا في مؤتمرات تركية هي ذات الصبغة الدينية، وربما أكثر من ذلك فإن مؤتمرات دينية بالكامل انعقدت بخصوص سورية، ولسنا هنا بصدد مناقشة قدرة الطروحات التركية على النفاذ إلى الإسلام السياسي السوري، بل في نوعية الثقة التي ستحكم العلاقة التركية - السورية مستقبلا، فبالتأكيد هذا "الظل" أو "الغطاء" التركي لن يكون مريحا لأي نظام سياسي قادم في سورية، لأنه يدرك حجم العلاقات التي باتت تملكها أنقرة داخل المعادلة السياسية الداخلية.
الجانب الثاني هو قدرة الجانب التركي على تجاوز خط الأزمة الكردية من خلال التعامل مع الأحداث في سورية، فحتى اللحظة يبدو ان هناك نوعا من تحييد "الأكراد" رغم أن بعضهم حضر بعض المؤتمرات، إلا أن السؤال الأساسي هو عن نوعية التشابك القادم مع هذا الموضوع، فأنقرة ربما تكون عاجزة عن تحويل الموضوع الكردي تجاه سورية نظرا لعوامله المتعددة في الداخل التركي، لكنها على الأقل قادرة على اختبار قدرتها في التعامل مع أزمة الأكراد خارج حدودها وهو أمر استخدمته حكومة العدالة والتنمية في العراق، لكنه في سورية ربما يكون مختلفا، فالتعقيدات في الموضوع السوري الكردي لم تبلغ ذروتها كما حدث في العراق، ومازال الموضوع يشكل جزء امن الحالة الوطنية العامة حتى مع وجود طروحات متطرفة أحيانا، وربما يشكل الطموح التركي في إعادة تكوين هذا الأمر ليصبح أزمة تجعل من حدودها مع سورية والعراق وحتى إيران خط عزل حقيقي عن الأكراد خارج أراضيها.
أيا تكن نتائج المؤتمرات التي انعقدت في تركية فإنها حتى الآن لا تصب في المعادلة السورية الداخلية، بل في اتجاه تكوين علاقة إقليمية جديدة يظهر فيها الظل التركي أينما اتجهنا داخل الطيف السياسي السوري.