ليس هناك زمن فاصل أو قطعي حتى ولو كان الأمر متعلقا بالحدث السوري الذي يملك مفاجآت على المستوى الإقليمي وليس على المستوى الداخلي، لكن المبادرة التي تم إطلاقها تحاول تشكيل مثل هذا الزمن ولو على الصعيد الدولي، فكل التصريحات الخجولة التي تمت خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم والأمين العام للجامعة العربي نبيل العربي، لكن الفحوى النهائية موجودة أساسا في حالة القطع المبرمة ما بين بنود المبادرة والزمن السياسي السوري مهما اختلفنا في تفسيره.

ما تريد قوله المبادرة ظهر في اعتراضات وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، فالمسألة بالنسبة له لا علاقة لها بالليونة الدبلوماسية بل بخلق حد نهائي مع زمن سياسي سارت عليه سورية إقليميا، وهو لم يكن في يوم من الأيام متوافق مع السياسة السعودية رغم الهدنة الطويلة، فالأمر لا يتعلق بنوعية السياسة الداخلية أو بإيجاد مخارج للجميع، بل أيضا ببناء جدار ما بين سورية قبل الخامس عشر من آذار وسورية في المرحلة الحالية، وبمعنى آخر ليس مسموحا الحديث عن سياسات متحركة لدمشق داخل المنطقة على نفس السياق الذي كان يحدث سابقا، ورغم أن المبادرة لا تتعرض للمسائل الإقليمية لكنها تسعى لاستبعاد "هوية السلطة" إن صح التعبير، ثم ترك الباب مفتوحا أمام الخيارات الإستراتيجية المحكومة أساسا بقدرة الجامعة العربية، أو دول الخليج تحديدا، للنفاذ إلى داخل المعادلة السورية.

بالتأكيد لا يمكن إهمال طريقة التعامل السعودية خلال وبعد الاجتماع، فلقاء سعود الفيصل مع برهان غليون هو جزء من هذا السياق، ورغم أن المؤشرات التي قدمتها دول الخليج متعددة ابتداء من سحب السفراء وانتهاء بنوعية الحملات الإعلامية، وربما المالية، لكن المساحة السياسية اليوم مختلفة نوعيا، فالرياض وحتى قطر تتحركان على إيقاع معركة دولية تجري في مجلس الأمن بخصوص سورية، وتكديس الأوراق يتم يوميا أمام مندوبي مجلس الأمن لتحقيق كسب ما على الساحة السورية، فكيف يمكن أن تظهر المعركة القادمة؟

بالتأكيد فإن الداخل السوري هو "المقياس" الذي تريد بعض الدول اتباعه في التعامل مع دمشق، وهو يعني أكثر من مجرد اشتعال المناطق الساخنة أساسا، فالمهم هو تحطيم صورة الدولة بغض النظر عن "السلطة السياسية"، لأن هذا الأمر هو الممكن حاليا في ظل إغلاق أي بيئة سياسية ممكنة داخليا وإقليميا، فالمشكلة لم تعد على نفس السياق السابق في إعادة تشكيل المشهد السوري بل أيضا في إغراق أي بعد سياسي ممكن لصالح عملية "القطيعة" مع الهوية السياسية السابقة لسورية إجمالا.

الرهان الأساسي على ما يبدو ينحصر في الجغرافية – السياسية لسورية، فهناك تعويم لشخصيات وإغراق لبعضها، وهناك أيضا إعادة تكوين لبعض التشكيلات السياسية حتى ولو كانت من خارج سياق الأزمة، بحيث تبدو المعركة على سياق حرب أهلية حتى ولو كانت غير ذلك، فمن غير المفيد اليوم البحث في طبيعة الواقع الأمني المهشم، لأن القرار النهائي ظهر أمس من خلال مبادرة لا تملك أي هامش لشرائح سياسية موجودة داخل سورية كي تتحرك دون إذن من الجامعة العربية.... ما حدث وما يحدث ليس اختراقا أو مؤامرة لأنه في النهاية رهان من كل جانب على الجغرافية – السياسية السورية أولا وأخيرا.