مهما كانت ردود الفعل حول مسألة المبادرة العربية فإنها على الأقل جاءت على طريقة "المفاجأة" أو "الدهشة"، وربما دون أي استدراك ولو من قبيل "المجاملة" لبعثة المراقبين الدوليين، فالوزراء العرب قالوا أنها تشبه "الحل اليمني"، لكن المسألة ربما تبدو أبعد من ذلك، فحتى لو رأى البعض في هذا "الحل" العربي مساحة جديدة، لكن الأزمات تخضع لـ"عملية" (Process)، بينما يأتي الإجراء السريع على أثار الأزمات دون ان يزيلها.

ومناسبة الحديث عن المبادرة العربية ليس في سياق قبولها أو رفضها، أو حتى اعتبارها إعدادا مسبقا من قبل "مجموعة" تريد استباق تقرير الدابي، وهو ما حصل فعلا، لكن مفاصل الأزمة السورية تحتاج بالفعل إلى كافة الإجراءات، سواء تلك التي اتخذتها المعارضة في الداخل والخارج وأثرت بشكل عميق داخل سورية، أو تلك التي قامت بها السلطة السياسية فيما يطلق عليه "عملية الإصلاح" التي تتضمن كثيرا من بنود المبادرة مثل تعيير الدستور أو حكومة الوحدة الوطنية أو حتى إجراء الحوار، ومهما اختلفنا على طريقة تقييم الإجراءات الحكومية إلا أنها انعكست بشكل أو بآخر على الحراك الداخلي باتجاه محاولات سورية جادة لبناء حياة سياسية، تماما مثلما انعكست إجراءات المعارضة في الخارج إلى نوع من التجاذب الدولي وإلى وضع السيادة السوري على محك الجدل القائم في مجلس الأمن أو حتى داخل الجامعة العربية.

ودون مواربة فإننا نتحدث عن "المعارضة الخارجية" في إطار تأثيراتها على مسألة السيادة، وذلك ليس تشكيكا بها أو حتى بعدم ضرورة إيجاد حلولا لها في أي بناء سياسي داخلي، ولكن لأن الآليات التي تملكها تبقى موجودة في الخارج وهو ما يجعل من مسألة "السيادة" ضمن إطار المنطقة الرمادية لها، فالحلول التي كان يملكها تنظيم الأخوان المسلمين على سبيل المثال كانت من النوع الذي يسعى إلى إقامة شبكة علاقات دولية، ويكفي التذكير بمجموعة التقارير التي تم تسريبها حول وساطة تركية لعودته إلى سورية، أو حتى طبيعة علاقاته مع المملكة العربية السعودية رغم أنه "عقائديا" يختلف عن التوجه الوهابي الموجود فيها، وأخيرا قدرة هذا التنظيم على الاستمرار في أوروبا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وما رافقها من تشديد على مسألة "الإسلام السياسي".

عمليا فإن المبادرة العربية الحالية قامت دون الأخذ بعين الاعتبار كل النتائج التي انعكست على الأرض، وهي لم تطرح "عملية تحول" بقدر انشغالها باستبدال السلطة، ولا بد هنام الإشارة لبعض الأمور السريعة:

  هل يمكن ان تنتهي الأزمة برحيل السلطة؟ وهو سؤال مشروع في ظل عملية التشتت التي تظهر في مناطق التوتر، أو حتى في ضوء التصريحات المتناقضة والمواقف الحدية لأقطاب المعارضة في الخارج تحديدا، أما في الداخل فرغم عدم وجود حوار لكن التصريحات سواء كانت ضد أو مع المبادرة العربية تأتي أكثر انسجاما مع الواقع القائم، ويبدو أن المسألة تجاوزت موضوع "السلطة" في الوقت الراهن، بينما تتجه العملية الداخلية في سورية نحو تشكيل بؤر أزمات متفرقة لا علاقة لها ببنية النظام ولا حتى بأي بناء سياسي قديم أو جديد، وعلى الأخص بعض أن برز اسم "الجيش السوري الحر" على أي عملية عسكرية بينمات يبقى هذا الجيش مجهول "الهوية" أو حتى التوجهات.

  المسألة التي تواجه سورية بمبادرة عربية أو بدون مبادرة هي في نوعية الهوية السياسية القادمة، فمسألة الديمقراطية أو الدولة المدنية أو غيرها لا تحل مشكلة هذه الهوية المركية منذ الاستقلال على إيقاع الضغط الإقليمي المحيط بسورية، ودون الدخول بقراءة تاريخية لكن الصراع على سورية أو معها هو جزء من "الجيوبولتيك" الشرق أوسطي، فالمعارك الحاسمة لتكون الخارطة الإقليمية كانت تجري على الأرض السوري. (نترك للقارئ مراجعة التاريخ القديم والوسيط والحديث). وبالتأكيد لم تسعى المبادرة إلى النظر لهذا الموضوع رغم أن جملة عوامل فاعلة بقوة تتحكم بالأزمة السورية نتيجة هذه الهوية، وربما يكون الموقفين الروسي والتركي على سبيل المثال هما الأوضح في هذا المجال.

  تركت المبادرة مسألة صورة سورية القادمة للحوار لكنها في نفس الوقت قيدته بنزع صلاحيات الرئيس دون أن تستبعد السلطة القائمة، والسؤال كيف تم تركيب هذه المعادلة؟ ففي ظل نظام مركزي قائم حسب ادعاء المعارضة نفسها منذ خمسة عقود هل يمكن "الإبقاء" على السلطة مع "إلغاء" دور الرئيس! على الأقل فإن البنية الحالية لمؤسسات الدولة بما فيها المن والجيش متناقضة مع هذا الموضوع، فهل كانت الغاية وضع حل جاهز أم اقتسام أجهزة الدولة بين الأطراف السياسية التي لا نعرف مدى قدرتها على التحكم بالحراك القائم او حتى القادم.

العودة إلى "العملية" لا تبدو مريحة بالنسبة لعدد من الأطراف العربية والدولية، ربما لأنها تحافظ على "منظومة" مرتبطة بمستقبل الهوية السياسية السورية، وهو أمر على ما يبدو يزعج البعض أو يسبب قلقا على أدوار إقليمية تريد أن تصبح فاعلة في المنطقة